عِندَما نقول خطة أوباما، فنحن لا نعني ذلك حرفيًّا، فالرجل لا يعرف الكثير عن تفاصيل المسألة الفلسطينية، وما نعنيه أننا إزاء خطة جديدة، إما أن تكون معدّة في تل أبيب، أو في دوائر الصهاينة العاملين داخل الإدارة وفي المواقع القريبة منها، وبعضهم -كما نعلم- يحملون الجنسية الإسرائيلية، كما هو حال "رام إيمانويل"، كبير موظفي البيت الأبيض. بعد تجربة وقف الاستيطان الفاشلة، لن يكرر أوباما على الأرجح مغامرات أخرى مع نتنياهو، أعني أنه لن يعلن عن خطة أو رؤية يدرك أنه سيفشل في فرضها على الدولة العبرية، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو عرض ما لديه على دولة الاحتلال قبل الإعلان عنه. نشير إلى ذلك كله بين يدي الحديث عن خطة "الأمن مقابل الغذاء" التي نقل عن الدوائر السياسية في واشنطن أنها برسم التسويق على الأوساط المعنيَّة (الدولة العبرية، سلطة رام الله، مصر، الاتحاد الأوروبي)، ومن ضمنها بالتأكيد حركة حماس التي تسيطر عمليا على القطاع ولا يمكن تمرير أية خطة من دون موافقتها. الإذاعة الإسرائيلية نقلت عن أوساط في الإدارة الأمريكية أن الخطة ستعرض (عُرضت عمليًّا) على رئيس السلطة أثناء لقائه مع أوباما، وخلاصتها "خطة إستراتيجية متكاملة لغزة تتضمن نشر قوات دولية ووقفًا دائمًا وشاملًا لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ووجود قوات أمن السلطة الفلسطينية في المعابر بين إسرائيل وغزة ومعبر رفح، ورفعًا كاملا للحصار في مرحلة لاحقة". هدف الخطة كما تقول تفاصيلها هي تخليص الإسرائيليين من أعباء الحصار، وتنفيس الضغوط التي ترتبت على معركة أسطول الحرية، ومن ثم الحيلولة دون تدفق المزيد من السفن التي قد يترتب عليها الكثير من المشاكل، لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، يل ينطوي على ما هو أبعد، ممثلا في التخلص من صداع القطاع وتبعات حصاره بشكل نهائي، أو شبه نهائي في أقل تقدير. وفق هذه الخطة، سيصبح القطاع في حالة تحاكي إلى حد كبير نموذج لبنان، حيث توجد قوات دولية على حدودِه مع الدولة العبرية، والمأمول بالطبع أن تجري إعادة السلطة إليه عبر تواجد في المعابر البرية، في استعادة للاتفاق الخاص بهذا الشأن (اتفاق المعابر 2005)، وهو ما ذهب إليه سلام فياض. إذا لم يجرِ حل مشكلة المعبر البري، فسيجري التركيز على المعبر البحري الذي سيخضع لمراقبة قوات أوروبية ستفتش السفن القادمة إلى القطاع بغرض التأكد من أنها لا تحمل أسلحة، أو أية أشياء ممنوعة، بينما سيبقى التعامل مع المعبر البري وفق المزاج المصري من جهة، وغالبًا بما لا يخلُّ بالمعادلة القائمة منذ الحسم العسكري قبل ثلاث سنوات. جوهر الخطة الجديدة يتمثل في موافقة حماس على وقف دائم وشامل لإطلاق النار (وغالبا مع تعهدات بوقف التسلح)، الأمر الذي يضعُهُ على قدم المساواة مع الضفة الغربية من دون تنسيق أمني ولا مفاوضات. هذا الوضع سيكون مريحًا للاحتلال، لكنه ليس كذلك لمصر في حال استمر الانقسام، أما في حال تعايشت معه فلن يرى الإسرائيليون مشكلة في الإبقاء عليه، بينما يستمر مشروع السلام الاقتصادي في الضفة الغربية، وخلاصته تأبيد النزاع بين دويلة ناقصة السيادة وأخرى تحتل أجزاءً منها في مقدمتها القدسالشرقية. ليس بوسع حماس القبول بصيغة من هذا النوع، وبالطبع لأنها مهلكة سياسية، في ذات الوقت الذي لا يمكنها معه القبول بما تدعوها إليه القاهرة ومعها سلطة رام الله، وخلاصته إخراجها من اللعبة بالكامل عبر "الورقة المصرية" التي تمثل صك استسلام لها وكارثة على القضية، في وقت يبدو وضعها أفضل من وضع السلطة في رام الله على مختلف الأصعدة. في مواجهة هذا الوضع لن يكون بوسع حماس سوى إبقاء الحال على ما هو عليه، والتعويل على المزيد من الضغوط الشعبية (عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا) من أجل كسر الحصار، وأقلُّه التخفيف من حدَّتِه دون ثمن سياسي، فيما الأفضل هو مبادرتها إلى طرح رؤية سياسية للوضع الفلسطيني برمَّتِه تقوم على برنامج شامل للمقاومة يفضح موقف السلطة ويعول على حراك في ذات الاتجاه داخل حركة فتح، وبين الجماهير في الضفة، ولو بعد حين. المصدر: الإسلام اليوم