جاء قرار السلطات الأمنية بتأجيل فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة مفاجئًا للصحف ووكالات الإعلام الغربية، التي أجمعت مساء الأحد على أن قوات الأمن ستفض الاعتصامات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي بالقوة فجر الاثنين الماضي، بناءً على "تسريبات أمنية" لمراسليها. واستنكرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية مزاعم وزارة الداخلية بأن تسريب خطة وموعد فض الاعتصامات لوسائل الإعلام زادت من أعداد المتظاهرين في الميادين، مما دفع القيادة الأمنية لتأجيل العملية، حيث أشارت الصحيفة إلى أن المسئولين بوزارة الداخلية هم أنفسهم من أخبروا الصحفيين بتفاصيل العملية. وقالت الصحيفة إن موقعي الاعتصامين يبدوان بالفعل كقرى صغيرة من كثرة الأعداد، وأن الأعداد لم تتضخم بشكل ملحوظ بعد انتشار أنباء فض الاعتصام كما تزعم الداخلية. وتساءلت الصحيفة عن السبب الذي يدعو الحكومة للتهديد علنًا بفض الاعتصامات مساء الأحد ثم تراجعها عن القرار وإعلان تأجيله صباح الاثنين، مشيرة إلى أن التكهنات تشير إلى أن وزارة الداخلية تمارس بعض الألعاب النفسية على المتظاهرين لتحطيم معنوياتهم. أما الاحتمال الآخر فهو أن يكون الفصيل الأكثر ميلاً للتصالح داخل الحكومة الجديدة بقيادة محمد البرادعي، نائب الرئيس، قد تمكن من إقناع الفريق عبد الفتاح السيسي بتأجيل خطط وزارة الداخلية، أو أن تكون الحكومة الجديدة تعرضت لضغوط من بعض المسئولين الغربيين الذين لا يزالون يحاولون التوصل لحل سلمي. بدورها، ترى وكالة الأنباء الفرنسية أن مثل هذه الإنذارات الكاذبة والتي تجددت أكثر من مرة على مدى الأسابيع الماضية تعكس انقسامًا داخل معسكر السلطة الجديدة. وبحسب محللين، فإن التعثر المستمر للمحاولات الأمنية لفض الاعتصامات المؤيدة لمرسي، والبيانات المنفصلة الصادرة عن الجيش والحكومة والرئاسة توحي بأن الحكومة المؤقتة لا تتحدث بصوت واحد. وترى رباب المهدي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن هناك معسكرين متناقضين داخل الحكومة، الأول تمثله وزارة الداخلية والجيش ويرغب في التدخل وفض الاعتصامات، والثاني يمثله محمد البرادعي، نائب الرئيس، وزياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء وهذا المعسكر ينتهج نهجًا أكثر ديمقراطية. وأشارت الوكالة إلى أن القيادة المؤقتة الجديدة تخضع لضغوط هائلة في الداخل لاتخاذ إجراءات صارمة ضد المتظاهرين المؤيدين لمرسي، وضغوط أخرى هائلة من المجتمع الدولي في الخارج لتجنب سفك الدماء. وأعربت الوكالة الفرنسية عن استغرابها الشديد لنهج الحكومة الحذر في التعامل مع مؤيدي مرسي، وهو أمر غير مألوف في بلد اعتادت فيه السلطات لعقود على استخدام القوة المفرطة في التعامل مع المعارضة. حيث قال الناشطون المدافعون عن حقوق الإنسان أن وزارة الداخلية عقدت اجتماعًا غير مسبوق مع المنظمات غير الحكومية لمناقشة الآثار المترتبة على فض الاعتصام، كما قالت الوزارة إنها ستدعو جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام لحضور عملية فض الاعتصامات، وهو ما اعتبرت الوكالة أنه مؤشر على مدى خطورة الأزمة. ويقول إتش إيه هيليار، الزميل بمعهد بروكنجز الأمريكي للأبحاث السياسية، إنه إذا كان الأمر متروكًا للداخلية فإنها كانت ستتدخل وتفض الاعتصامات، "ولكن هناك البعض داخل الحكومة وحتى الجيش منقسمون حول هذه القضية". من جانبها، حذرت صحيفة "ذا جلوب آند ميل" الكندية من أن محاولة فض الاعتصامات المؤيدة لمرسي بالقوة قد يتم اعتباره بمثابة إشارة على استبعاد نصف البلاد من الحياة السياسية. وأضافت أن الشرطة في مصر نتيجة سنوات طويلة من الحكم الاستبدادي لا تملك أي خبرة كيفية التعامل مع الحشود الكبيرة من المتظاهرين السلميين، وفي حالة قررت الشرطة إخلاء مواقع الاعتصام بالقوة فإنها من المحتمل جدًا أن تلجأ للقوة المفرطة. وبحسب الصحيفة فإن علمانية النخب المصرية قد تكون مضللة، مشيرة إلى أن استطلاعًا كبيرًا للرأي أجراه مركز "بيو" الأمريكي حول المواقف تجاه الدين والسياسة في الدول ذات الأغلبية المسلمة أظهر أن 74% من المصريين يؤيدون الشريعة الإسلامية دستورًا رسميًا للبلاد. وبناءً عليه فإنه لن يكون من الحكمة أن تحاول القوات المسلحة المصرية وحلفاؤها الليبراليون منع الإخوان المسلمين والأحزاب السياسية الأخرى من التعبير عن آرائهم في الأماكن العامة، على حد تعبير الصحيفة، مشيرة إلى أن القيام بذلك سيؤدي إلى حالة من الجمود السياسي الممتد والمزيد من سنوات الحكم بدون موافقة المحكومين.