وا حسرتاه على شرعيةٍ يُنادي بها أصحابها بعد أن كانوا أول المُشاركين في وجودها وأول المتسببين في تبديدها وضياعِها.. ولو نَطقت الشرعيةُ بقولِ الحقِ لقالت " أضاعُوني.. أضاعُوني.. وأي شرعية أضاعوا " الكل شارك في صُنع الشَرعية.. والكل شارك في تَبْديدها وضياعها.. الجميع مسئول عما يجري من مواقف مؤسفةٍ وأحداثٍ مروعة.. ألا كلكم راعٍ.. وكلكم مسئولٌ عن رعيته..الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. ولعن الله من أوقد نارها..شاعت الفوضى.. وفُتِحَ علينا باب الجِدال على مصراعيه.. وغُلِق علينا باب العمل.. انقسم الناس بين مؤيدٍ ومعارض.. ظالمٌ ومظلوم..ثائرٌ وخائن..مجاهدٌ ومتقاعس..أصبح الابن معارضًا لأبيه.. الأخ مناهضًا لأخيه.. الصاحب معاديًا لصاحبه.. والخليل مخالفًا لخليله..اختفى بريق الأمل الذي سَطَع مع فجر ثورة 25 يناير.. فشلت كل الجهود المبذولة، وتبددت كل الحلول المطروحة للم الشمل وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.. لم نعد قادرين على النهوض من كبوتنا.. الهوة عميقة..الحمل كبير..والإرث ثقيل.. انقلبت كل الموازين، تبدل الحال من التسامح والتقريب والتسديد، إلى التناحر والوعيد والتهديد.. الكل في النهايةِ خاسرٌ.. والعودة إلى البداية مفْروضةٌ على الجميع..لا بديل..لا مفر.. برغم كل العوامل.. برغم جميع المعوقات، وبرغم تفاقم الخلافات لابد من مخرج..لابد من السعي الجاد، والجهد الشاق نحو تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، مهما كان الثمن ومهما كانت التنازلات والتضحيات.
المصلحة العليا للأمة فوق الجميع.. لابد أن يعلوا الجميع فوق الصراع والجدال العقيم، لابد أن يرتقي الجميع فوق تباين الآراء..لابد أن يخرج الجميع من سراديب التشتت والتناحر إلى واحة التآلف والتراحم رغم كل الخلافات.. لابد أن يدرك الجميع أن مصر أصيبت في ثوابتها الشرعية والاجتماعية والدستورية والسياسية والاقتصادية. كما يجب على الجميع التوجس والحذر من الخطر الداهم على شعب مصر بقويض إرادتهم، وفرض هيمنة القوي الخارجية، وتقليص قدرة الجيش المصري وإضعافه لأنه الجيش العربي الوحيد الباقي في منطقة الشرق الأوسط والذي يمكن أن يشكل خطرًا على الحليف الأول في المنطقة.
اختلط الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، وعلى الجميع تمييز الضرر الأكبر وهو الفتنة الكبرى وإهدار مقدراتنا وانحسار اقتصادنا، أما الضرر الأصغر فهو ضرورة التحرر من الإصرار على رأي واحد، وتبادل التنازلات والتقريب بين جميع الآراء، والتسديد بين وجهات النظر، والتسامح بقدر المستطاع. الكل في قاربٍ واحد، والطوفان لن يبقي على أحد، لا بد من انتفاضة جميع طوائف الشعب نحو هدفٍ واحد -مرغمين غير ملومين- ألا وهو الحفاظ على كيان مصر، صون كرامتها، عودة أمنها وسلامة شعبها، وحماية مقدراتها وحفظ مكتسباتها مهما كانت التضحيات، ومهما كانت التنازلات. وكاتب هذا الرأي يعلن للجميع.. نحو المصلحة الوطنية المتكاملة، والمصالحة الشعبية الشاملة هذا هو الطريق.. وما الله بغافلٍ عما تعملون..