بادر الدكتور عبد الوارث عثمان, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, وأحد أعضاء لجنة المصالحة الوطنية, فور اختياره عضوا في اللجنة بإجراء اتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين والقوي السياسية للإسراع بإتمام المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الاستقطاب في الشارع السياسي, ولكنه واجه العديد من العقبات التي يري أنها تقف سدا منيعا إمام إتمام تلك المصالحة وفي مقدمتها, حالة التخوين وفقدان الثقة بين مختلف الأطراف, ورغبة كل طرف في الخروج منتصرا دون تقديم أية تنازلات للطرف الآخر. يري أن الأزمة في مصر, هي أزمة أخلاق وغياب للضمير وفهم خاطئ لمقاصد وصحيح الدين. ويؤكد في حواره ل الأهرام أن فشل تجربة الإسلاميين في الحكم لا يعني فشل المشروع الإسلامي الذي ارسي دعائمه النبي محمد صلي الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان. والي نص الحوار: ما الذي يجب علي المسلم أن يستحضره من الأخلاق الحسنة والصفات الحميدة في شهر رمضان؟ بين النبي صلي الله عليه وسلم- الجانب الأسمي من رسالته والركن المهم من بعثته فقال صلي الله عليه وسلم-: ز عند الله, والتي خصها الله بنفحات لا توجد في أي شهر آخر, وهي فرصة سانحة لجميع فئات الشعب المصري للتصالح ونبذ الخلافات وترك العنف والعودة إلي الاحتكام للعقل والضمير ووضع المصلحة الوطنية المصرية فوق كل اعتبار, بحيث يسمو بأخلاقه الحسنة التي يتقرب بها إلي الله في هذا الشهر المبارك فوق الفواحش ما ظهر منها وما بطن, وفوق المصالح الشخصية النابعة من حب النفس وطلب الإمارة والسلطة أيا كانت العقبات, إن رمضان هو الفرصة المهيأة للمصريين جميعا للدخول في مصالحة شاملة وعامة وواضحة تجمع كل أطراف الخلاف السياسي علي مبادئ راسخة مستمدة من الدين الحنيف والعرف المصري العام الذي لا يعرف التعنت أو العنف, أو الإصرار علي الخطأ, وإنما يعرف التسامح والحب والإيثار والعفو, وبذا ينال الكل ما يتمناه من الاستقرار والأمن الذي ننشده جميعا في مجتمعنا. وكيف يمكن مواجهة حالة الاحتقان في الشارع المصري ؟ يجب علي جميع أطراف النزاع السياسي الموجودة في الشارع المصري أيا كان توجهها أن تستلهم الحل للخروج من المأزق الراهن من مجموعة المبادئ والأخلاقيات الطيبة المصرية التي نتعارف عليها جميعا مثل التسامح والتواضع وخفض الجناح وعدم التكبر في اتخاذ المواقف خاصة إذا كانت تلك المواقف تتعلق بأمن الوطن واستقراره وتأخذ القوي السياسية في اعتبارها مبدأ المشاركة وعدم إقصاء الطرف الآخر والاقتراب أكثر من وجهة النظر المغايرة له ومحاولة تفهمها ومعرفة أغوارها ومغازيها جيدا قبل الحكم عليها بالقبول أو الرفض وأن يكون الهدف من اتخاذ أي موقف في كل الموضوعات هو حب مصر وقبل ذلك وجه الله تعالي الذي أمرنا بالإخلاص والتقوي والتسامح, وعليه فإن الأمة المصرية إذا اتخذت هذا النهج في التعامل مع بعضها البعض فسوف يصلون إلي بر الأمان وإلي الإصلاح المنشود الذي ينتظره أبناء مصر من الكادحين ومحدودي الدخل وتتحول مصر إلي دولة مستقرة وآمنة ومنتجة سمتهم التسامح وخفض الجناح لبعضهم بعضا, وان يتنازل كل طرف من أطراف الصراع القائم في مصرنا المحروسة عما يظن أنه من حقوقه, وهذا التنازل لا يسمي ضعفا ولا تهاونا وإنما يسمي في شرع الله تسامحا, وبذا تخرج الأمة المصرية من أزمتها وتعبر إلي بر الأمان أما الجمود والإصرار علي الموقف مهما تكون العقبات هو أمر منبوذ في الشرع غير محبب إلي النفوس المؤمنة العاقلة, فالأزمة الراهنة هي أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة سياسية. وكيف تري تجربة الإسلاميين في مصر؟ هناك فرق بين الأشخاص وبين المشروع الإسلامي الذي يهدف إلي بناء مجتمع فاضل يقوم علي الأخلاق النبيلة والسلوكيات القويمة مستهديا بالرسول وبأصحابه الغر الميامين ومصادر الشريعة الإسلامية في الحكم والسياسة والمجتمع والإعلام والثقافة وغيرها من مكونات المجتمع فلا نستطيع أن نقول أن الفترة الماضية كانت تجربة إسلامية فاشلة لأن هدي الإسلام في بناء الدولة لم يتحقق أو يجرب بعد, وإنما ما حدث هو أن استطاع بعض أصحاب التوجه الإسلامي الوصول إلي الحكم ومواقع اتخاذ القرار دون خبرة سابقة ودون وعي لما يجب عليه فعله حيال القضايا الملحة التي طفت علي السطح بعد ثورة25 يناير والتعامل معها بحكمة تتناسب والظروف الراهنة, فهي تجربة أشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم وتوجهاتهم الفكرية وليست تجربة للمشروع الإسلامي, ومن هنا نقول أن فشل هؤلاء الأشخاص ليس فشلا للمشروع الإسلامي الذي طرح علي البشرية منذ1500 عاما والذي أرسي دعائمه القائد الأول محمد بن عبدالله رسول الله صلي الله عليه وسلم- إلي الناس كافة, وفي رأيي الشخصي أن الجماعات الإسلامية كان يجب عليها ألا تتصارع علي الحكم والممارسة السياسية الرسمية, وإنما تظل جماعات ضغط تدعو إلي الله علي بصيرة وتوجه السياسيين أصحاب الخبرة إلي ما يجب أن يفعلوه حيال القضايا التي أوجد الله لها حلولا في القرآن وفي السنة وفي حياة السلف الصالح وتاريخهم الطويل وأن يدخروا جهدهم ووقتهم لنشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين أبناء المجتمع ويعملوا علي توعية الشعب بأمور دينه وأخلاق النبي الذي بعث رحمة للعالمين. وما نصيحتك لأطراف الصراع السياسي في مصر ؟ علي كل أطراف الصراع السياسي في مصر الآن أن يغتنموا هذا الشهر الكريم ويعودوا إلي ضمائرهم ويستحضروا عظمة الله في قلوبهم فيعملوا من أجل إنهاء الصراع الدائر وإزالة الأسباب المؤدية إليه وتنقية أعمالهم وسلوكهم من كل ما يؤثر علي تقربهم من الله خلال هذا الشهر الفضيل ولا يكون ذلك إلا بأمرين: الأول: هو المصارحة بحيث يصارح كل منهم نفسه بحقيقة ماهو عليه ومدي النفع العام منه, بحيث يترك الصفات المنفرة من حب النفس وإيثار المصلحة الخاصة, ثانيا: التصالح مع الله, ومع النفس, ومع الناس, وبالمصارحة والمصالحة يعرف المسلم قيمة الصوم الذي يصومه والعبادة التي يقيمها لله الواحد القهار, فإذا ما تحقق ذلك, نقيت القلوب من الكراهية والصدور من البغضاء والغل والحسد, ونقيت الألسنة من الكذب والافتراء علي الغير, ورد في صحيح البخاري ومسلم, أن امرأتين صامتا علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم- فلما جاء آخر النهار انتفخت بطنيهما, فأرسلت رسولا إلي رسول الله تسألاه عن العلاج فقال النبي للرسول الذي أرسلتاه مرهن فليقئن, فلما قاءتا, قاءت إحداهن لحما, وقاءت إحداهن دما, فأرسلتا رسولا آخر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم تسألاه في ذلك, فقال النبي صلي الله عليه وسلم- مفسرا ومعللا ذلك, أما التي قاءت لحما, فكانت تمشي بين الناس بالنميمة, وأما التي قاءت دما فكانت تسمع لها فالمسلم لا يعرف قيمة هذا الشهر ولا معني هذا الصوم إلا إذا اتصفا بالمصارحة والمصالحة, ونحن أحوج إليهما من أي وقت آخر, فالذي يحب مصر لا يتصف أبدا بالعنف والتمسك بالرأي مهما كانت العقبات, وهو لا يعرف الجحود أو الظلم, وإنما يتصف بالعفو والتسامح والتودد إلي عباد الله وتقديم كل ما يستطيع من التنازلات والتضحيات حتي تعبر السفينة المصرية إلي بر الأمان, فتذوق حلاوة الأمن والاستقرار وتعرف معني الكرامة والعزة في مجتمع يسوده التراحم والتآلف والاتفاق بين أبنائه ينبذون فيه الفرقة ويتعالون فوق المطالب الشخصية والمصالح الدنيوية. ما العقبات التي واجهتك منذ انضمامك للجنة المصالحة الوطنية؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ من أبرز العقبات ومازالت تلقي بظلالها علي الشعب المصري بأكمله هو عدم اعتراف كل طرف بالطرف الآخر والاعتداد به وتبادل التهم بالخيانة والعمالة للخارج, وهذا يؤدي إلي شبه استحالة للخروج من الأزمة الراهنة, إذ أن كل طرف يفقد الثقة بالطرف الآخر وياليت الأمر يتوقف عند هذا الحد, بل إن بعض الأطراف تحاول افتعال المواقف التي تشوه بها الطرف الآخر وتقلل من إقبال الجماهير إليه, بل وينشئ قصصا لا أساس لها وينشرها بين الناس, بالإضافة إلي الأخبار الكاذبة التي تتداول بين جموع الشعب المصري دون رقيب أو حسيب, وفي هذا يقع العبء الأكبر علي عاتق الإعلاميين الذين يجب أن يتحلوا بالموضوعية في عرض الأحداث الجارية دون المبالغة فيها وإثارة حفيظة الآخر واستفزازه, وذلك لإتاحة الفرصة لجهود المصالحة ولم الشمل والخروج من الأزمة الراهنة بأقل الخسائر, فليس الخروج من هذه الأزمة أمرا اختياريا, بل هو أمر ضروري لتستفيق الأمة المصرية إلي مواجهة قضاياها المصيرية والأمنية في المنطقة الإفريقية والعربية والدولية, فقد غيبت الخلافات الراهنة الوعي المطلوب لدي المصريين فيما يتعلق ببناء سد النهضة الأثيوبي وأثرت علي المجهود الرسمي للدولة في التعامل مع تلك الأزمة التي تتعلق بأمن مصر المائي, وكذلك المشكلة الفلسطينية التي كانت أطرافها تضع قوة مصر في اعتبارها عند التعامل مع تلك القضية التاريخية, لذلك فإننا ندعو إلي سرعة العمل من أجل تفرغ الجيش لمهمته الأساسية في حفظ الحدود المصرية وتقويته بما يكفل له القيام بدوره في حماية الشعب المصري وأرضه ومقدراته ليضرب للأجيال القادمة أعظم الأمثال في التضحية وتحمل المسئولية.