هناك نوعان أساسيان للمسار: المسار التفاعلي والمسار المحافظ، والسياسة الخارجية تنتمي للنوع الأول ألا وهو المسار التفاعلي الذي يؤدي إلى الاندماج والتعاون البناء لتحقيق مصالح جميع الأطراف. والهدف الأصلي للتبادل السياسي بين الدول هو تفعيل التوافق والتعاون لتحقيق أهداف الدول وآمال الشعوب لما هو أفضل، وكذلك تحقيق المصالح العليا لجميع الأطراف، وتبادل الآراء ونقل الخبرات وإتاحة الإمكانيات. وقد لقيت زيارة الرئيس مرسي للملكة العربية السعودية ترحيبًا من البعض، كما لقيت نقدًا وتحفظًا من البعض الآخر، ومن بعض أسباب النقد الموقف السلبي للسعودية وبلدان خليجية أخرى من ثورة 25 يناير المصرية، ومؤازرة واحتضان العديد من قيادات العهد البائد المطلوبين للقضاء، وغض الطرف عن ثورات الربيع العربي باعتباره ربيعًا دمويًا وليس ربيعًا ورديًا. ويرى كاتب هذا الرأي ضرورة استثمار الإيجابيات، وتعظيم فوائد جميع الأحداث على جميع الأصعدة، وتحجيم السلبيات بقدر المستطاع والسعي نحو التقريب والتسديد، فمصالح الشعوب تعلو فوق كل مصلحة، وآمال المستقبل ترتقي فوق جميع المواقف، إيجابية كانت أم سلبية. وعلينا جميعًا أن نتعلم من دروس الماضي الحافلة بالأحداث والعبر، فكم دفعت الشعوب المغلوبة على أمرها أثمانًا باهظةً للخلافات الشخصية والتناحر، والمواقف السياسية المتنافرة بين ملوك وأمراء ورؤساء الأمة العربية عبر سنوات طوال. كما يجب أن نتعلم من دروس الماضي ليرتقي الجميع طواعيةً فوق كل الخلافات والاختلافات لتحقيق مصالح الشعوب العربية، سعيًا نحو الآمال الكبرى والحلم المستحيل لوحدة الأمة العربية وتكامل كيانها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. والحلم المستحيل أصبح ممكنًا بعد توالي أحداث ثورات الربيع العربي والسعي نحو الإصلاحات الجذرية الكبرى. كما يرى كاتب هذا الرأي أن الديمقراطية الحقيقية الواعية، وترسيخ الحكومات المدنية، وإعلاء سلطة الشعب بلا قيود هي المقدمة الأولى لتحقيق الحلم العربي المأمول. وعلينا جميعًا أن نعمل على مؤازرة الرئيس مرسي والعاملين بالسياسة الخارجية المصرية، وبدلاً من تحليل المواقف ورصد السلبيات الثانوية، لينطلق الجميع نحو تعزيز أواصر التآلف الوطني والعربي، ودفع مقومات الإصلاح الشامل، وتعظيم الإيجابيات وتحجيم السلبيات، فلن يكون العمل السياسي مرضيًا للجميع في آن واحد، واختلاف الآراء وارد ودائم في جميع الأحوال، قضي الأمر ولا بديل لنا سوى المضي قدمًا نحو كلمة سواء مؤيدين كنا أم معارضين. والمرحلة الانتقالية الحرجة وما يليها من مراحل إعادة البناء، وتحقيق النهضة الشاملة، وبناء مصر العصرية تتطلب تضافر جميع الجهود مهما اختلفت الآراء، وكما تقول الحكمة الصائبة: " الرضا بالضرر الأصغر حتى يزول الضرر الأكبر". وقبل العمل بتلك الحكمة يجب علينا أن نتعرف على الأمور التي تؤدي إلى أضرارٍ صغرى، والأمور التي تؤدي إلى أضرارٍ كبرى والتي من أهمها المساس بإرادة الشعب ومصالحه ومقدراته وأجيالنا القادمة. ومن أهم الاختيارات التي يجب حسمها استنادًا لتلك الحكمة الصائبة، الإبقاء على مجلس الشعب المنتخب من عدمه، تشكيل حكومة الإنقاذ، إقصاء المجلس العسكري عن ممارسة العمل السياسي والتشريعي واستبداله برئاسة الجمهورية ذات الواقع الدستوري، ومجلس الشعب المؤقت وحكومة الإنقاذ والمجالس الاستشارية المدنية والهيئات القضائية والمحكمة الدستورية العليا لحين الانتهاء من وضع دستور جديد للبلاد وإعادة انتخابات مجلس الشعب للعبور من المرحلة الانتقالية الحرجة إلى مرحلة الاستقرار واستكمال البناء. وحسمًا للخلافات المتجددة، والنزاعات المتفاقمة، فلا بديل لنا سوى الامتثال للواقع الدستوري الممثل في رئاسة الجمهورية، أو الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لإنهاء الاجتهادات والمسيرات والتظاهرات، وكما تم تخصيص ديوان المظالم للنظر في المطالب الفئوية، يجب حسم جميع القضايا الراهنة والمشكلات القومية المتجددة بصناديق الاقتراع، وقوفًا على رغبة الجماهير التي تعلو فوق كل رغبة. والله من وراء القصد.. د. بلال محمد علي ماهر جامعة الملك سعود- الرياض الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة