تحدثنا فى مقال الاسبوع الماضى عن الوعيد الإلهى لليهود : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )) ،جزاء لظلمهم وفسادهم وإفسادهم ، وأن هذا العذاب سيعم اليهود بصفة عامة إلى يوم القيامة . لاشك أن من اليهود قوما شرفاء لايرضون عن السياسات الإسرائيلية التى تؤدى إلى زيادة الكراهية لليهود فى مختلف بلاد العالم وخاصة فى العالم العربى المحيط بإسرائيل ،ووجدوا أن عليهم -بسبب حبهم لإسرائيل - نصح الحكومة الإسرائيلية لتعدل من سياستها قبل فوات الأوان وتعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى . فقد تداعت مجموعات فاعلة من يهود أوروبا الى تشكيل حركة ضغط على إسرائيل للإنخراط جدياً في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين اطلقوا عليها اسم " جي كول " أي (النداء اليهودي الاوروبي للتعقل) لتكون النسخة الأوروبية عن لوبي الضغط اليهودي الأميركي الذي يطلق عليه اسم " جي ستريت " . وأطلق " جي كول " بالمناسبة " نداء الى التعقل " ممهوراً بتوقيع نحو اربع الاف شخصية اوروبية ، بينهم النائب الاوروبي دانيال كوهن بنديت والمؤرخ زئيف شتيرنيل و رئيسة المركز العلماني اليهودي في بلجيكا ميشيل شواركبورت والنائب الأوروبي فنسون بييون والكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي والسفير الإسرائيلي السابق في المانيا أفي بريمور ورئيس حركة السلام الأن – فرنسا دافيد شملا . وتضمن النداء الذي تم اطلاقه من مقر البرلمان الأوروبي يوم الأثنين في 3/5/2010 دعوة الى الحكومة الإسرائيلية للعمل جدياً على اقرار سلام دائم في المنطقة قبل فوات الأوان . ومن الأسباب التي دعت هذه الشخصيات الى تشكيل اللوبي اليهودي الأوروبي ادراكها ان اسرائيل باتت مهددة من تصاعد موجات المعاداة للسامية في الشرق الأوسط وفي اوروبا بسبب ممارسات العنف التي يقوم بها جنود اسرائيليون ، ومهددة ايضاً على المدى البعيد من الأزدياد الديموغرافي الفلسطيني ، ومن تمدد نفوذ الحركات الأصولية الإسلاموية ، ومن مواقف ايران وأستعدادتها العسكرية الأمر الذي يحتم برأي اعضاء هذا اللوبي الجديد ضرورة اقرار سلام دائم في المنطقة والإنفتاح على دول الجوار والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة لأن من شأن كافة هذه الأمور مجتمعة ضمان استمرارية دولة اسرائيل داخل حدود أمنة . وتلتقي هذه الطروحات مع ما سبق وأعلنه اللوبي اليهودي الأميركي " جي ستريت " ، ومع ما سبق وناقشه الرئيس الأميركي باراك اوباما مع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتياهو من ان السلام هو الضمانة الوحيدة لبقاء اسرائيل وأن الظروف برأي الرئيس الأميركي مؤاتية جداً اليوم ، فيما لن تكون على هذه الحال بعد سنوات مقبلة ، من منطلق ان شعور العداء لإسرائيل يزداد في المنطقة رغم معاهدات السلام التي تم توقيعها مع مصر والأردن . ولوحظ ان ولادة " جي كول " جاءت قبل يومين من بدء المفاوضات غير المباشرة بين اسرئيل والسلطة الوطنية الفلسطينية التي يرعاها المبعوث الأميركي جورج ميتشل ، والتي وافق عليها وزراء الخارجية العرب في اكثر من مناسبة شرط ألا تستمر أكثر من اربعة اشهر . ولم يتم الإفصاح عن طبيعة الضمانات التي قدمتها الإدارة الأميركية الى الرئيس محمود عباس حتى وافق على بدء المفاوضات غير المباشرة حيث كان يشترط تجميد الإستيطان ووقف تهويد القدس ، كما لم يتم الكشف عن الإغراءات التي قدمها الرئيس الأميركي الى رئيس حكومة اسرائيل لقاء قبوله بالتفاوض غير المباشر خاصة وأن هذا الأخير يتخوف من انقلاب حلفائه عليه وتحديداً وزير خارجيته افيجدور ليبرمان الذي يتزعم الحركة اليمينية المتشددة " اسرائيل بيتنا " . وحول هذه النقطة الأخيرة يتردد ان نتنياهو قد اعد سيناريو بمساعدة اميركية يقضي بإستبدال وزراء اليمين المتشدد في حكومته بوزراء من اليسار والوسط مثل " كاديما " في حال تعارضت مواقفه مع مواقفهم . كما يتردد ان الرئيس الأميركي هدد باللجوء الى عقد مؤتمر دولي للسلام في حال وصلت المفاوضات غير المباشرة الى طريق مسدود . ولكن تبقى كل هذه المسائل من باب التوقعات والتكهنات لأن مقياس النجاح مرتبط بمدى استعداد نتنياهو الإلتزام بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وفق القاعدة المجمع عليها عربياً القائلة " بالأرض مقابل السلام " وليس وفق القاعدة الإسرئيلية القائلة " بالسلام مقابل السلام "ز ولكن هل تستجيب إسرائيل لنداء العقل؟ لقد أعلنت إسرائيل أن سفن المساعدات الأوروبية لقطاع هى غزة خطوة استفزازية!! و تعهدت إسرائيل باستخدام قواتها البحرية لمنع تسع سفن تحمل مساعدات وإمدادات أساسية من دول أوروبية وعربية من الوصول إلى قطاع غزة بغرض كسر الحصار المفروض على القطاع. وقال عوفير جندلمان، الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": إن منظمي هذه القوافل يمكنهم تسليم البضائع إلى الموانئ والسلطات الإسرائيلية حتى يمكن نقلها إلى القطاع. !! وأضاف قائلاً: "يمكن للسفن أن ترسو في ميناء اشدود وإسرائيل تنقل هذه المساعدات عن طريق البر إلى قطاع غزة، لا توجد هنا أي مشكلة"، زاعما أن "هذه الرحلة هي استفزاز، ومساس بالسيادة والمصالح الإسرائيلية". وهذه ليست أول مرة تسلك فيها إسرائيل هذه المسلك .. فيقول المحلل السياسى الأستاذ رشيد شاهين فى مقال بعنوان: "تشومسكي والديمقراطية الإسرائيلية ": عندما حاول البروفيسور ناعوم تشومسكي الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، قررت وزارة الداخلية الإسرائيلية منعه من العبور بحجة انه "ينتمي إلى جهات يسارية متطرفة" بحسب الصحف الإسرائيلية، التي أشارت إلى ان المنع جاء من مسؤولة المعابر الحدودية الإسرائيلية، وأضافت وزارة الداخلية الى ذلك بحسب ذات المصادر، ان تشومسكي "يقوم بانتقاد السياسات الإسرائيلية باستمرار". من المعروف ان البروفيسور تشومسكي عالم في اللغويات وأستاذ جامعي، ويعتبره البعض بأنه صاحب أهم النظريات اللغوية في القرن العشرين، وينظر إليه البعض الآخر على انه من بين أهم فلاسفة اللغة في القرن الماضي. بالإضافة الى ذلك فان البروفيسور تشومسكي معروف على نطاق واسع كناشط سياسي ومن اشد منتقدي السياسة الأمريكية، وكان من أهم معارضي الحرب الفيتنامية في ستينيات القرن الماضي، كما انه لم يتردد برغم يهوديته عن انتقاد السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، داعيا في أكثر من مناسبة الى إنهاء الاحتلال ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير في إقامة دولتهم على أراضيهم. لم يكن منع البروفيسور تشومسكي هو الأول من نوعه الذي تمارسه دولة الاحتلال ضد منتقدي سياساتها، أو الداعين الى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، حتى لو كان هؤلاء يهودا "أبا عن جد"، فهي مارست ذلك على مدار العقود الماضية، وهي لن تتردد في تكرار ذلك في المستقبل. وهي تمارسه بكل عنجهية وبدون أي شعور بالخجل، لأنها تعلم ان أحدا لن يتجرأ على انتقادها، حيث ان أي انتقاد لسياساتها يعني بان من يمارسه ليس سوى معاد للسامية، وتجب محاكمته، وهي قد نجحت على أي حال من خلال "لوبياتها" المنتشره في الدول الغربية بشكل خاص، بفرض العديد من القوانين التي تحرم انتقاد إسرائيل او اليهود وكل ما يتعلق بالمحرقة، وقد دفع العديد من الكتاب والنقاد والفلاسفة ثمنا باهظا لمجرد نقاشهم هذه المواضيع أو إثارتها بأي شكل من الأشكال. الديمقراطية التي تدعيها إسرائيل هي ليست في الحقيقة سوى خدعة مارستها منذ نشأتها على حساب دماء وعذابات الشعب الفلسطيني، وهي ديمقراطية انتقائية لا تمت الى الديمقراطية الحقيقية بصلة، وان نظرة واحدة الى ما يحدث في دولة الاحتلال من تمييز بين اليهود من أصول غربية وأولئك المتحدرين من أصول شرقية، او ما يحدث من تمييز صارخ ضد يهود الفلاشا او العرب الفلسطينيين، تكفي لمعرفة أي ديمقراطية تسود ضمن هذه الدولة. أن يشبه تشومسكي ممارسات دولة الاحتلال بالأنظمة الستالينية، وان يقول بأنه وجد في قرار منعه دليلا على عقلية إسرائيل المدمرة، فهو إنما يقول الحقيقة التي تحاول الدول الغربية ان تغض الطرف عنها، وهذا ما يجعل دولة الاحتلال تتمادى في غيها، وتمارس أبشع أنواع القمع والقتل والاضطهاد والملاحقة والاعتقال، والتهويد للقدس وتفريغها من أهلها العرب الفلسطينيين، وسرقة الأراضي وإقامة المزيد من الجدر في الأراضي الفلسطينية. تشومسكي ليس الأول وهو لن يكون الأخير الذي تمنعه إسرائيل من دخول أراضيها، فهي مارست ما هو أسوأ من ذلك ضد غيره من المثقفين والأكاديميين، وقد يكون ألان بابيه وإسرائيل شاحاك مثالين "صغيرين" على الديمقراطية الإسرائيلية، كما ان ملاحقة نشطاء السلام الذين يأتون للتضامن مع الشعب الفلسطيني واعتقالهم وإبعادهم دليل آخر على الديمقراطية الكاذبة، وقد يكون مقتل راشيل كوري وسحقها تحت جرافات الاحتلال دليل أيضا على تلك الديمقراطية. إسرائيل بمنعها لتشومسكي من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما تثبت من جديد مدى زيف ديمقراطيتها، لكن السؤال هو، ماذا يمكن ان تصنع إسرائيل حتى تنتهي النظرة الغربية إليها على انها الديمقراطية الوحيدة وانها هي من يمثل القيم الغربية في هذه المنطقة من العالم؟ وبالمناسبة نحن لن ننسى ما فعله الإسرائيليون فى حرب 1967 مع العمال المصريين الذين كانوا موجودين فى سيناء ،ولم يكونوا من المحاربين. فبناء على تعليمات من الحكومة الإسرائيلية قام الجيش الإسرائيلى باعتقال هؤلاء العمال ،وما حدث بعد ذلك يندى له جبين الإنسانية ، وفعلوا معهم مثل ما فعله هتلر مع اليهود فى أوربا .. لقد صدرت أوامر الجيش الإسرائيلى لكل عامل بحفر قبره بيده ..ثم يرقد فيه..ثم يهيل الجنود الإسرائيليون التراب عليه حتى الموت !! لقد دفنوا وهم أحياء .. إنها جريمة حرب.. جريمة ضد الإنسانية .والعجيب فى الأمر أن السلطات الإسرائيلية هى التى اعترفت بذلك ، والأعجب من ذلك أنها من حين لآخر تستدعى هذا الحادث ليطفو على سطح الذاكرة. إن إسرائيل مسؤلة عن هذا الحادث الإجرامى اللا إنسانى،فعليها محاكمة مرتكبيه ،ودفع التعويضات لأسر الضحايا. أنا أعرف أن إسرائيل لن تفعل ذلك ،وأن الذى سينتقم لهولاء العمال البسطاء من أهلنا أبناء الوطن هو الله سبحانه وتعالى المنتقم الجبار.سيرسل الله عليهم هتلر.. ثم هتلر.. ثم هتلر..وهكذا إلى يوم القيامة . لو كان الأمر بيدى لأقمت نصبا تذكاريا فى سيناء يسمى "المدفنة " وهو إسم مكان للمكان الذى دُفن فيه هؤلاء المصريين أحياء، يكون مزارا "سياحيا " للمصريين والأجانب حتى تظل ذكرى هذا الحادث الإجرامى ماثلة فى ذاكرة الجميع ،على غرار "المحرقة " التى نصبها هتلر لليهود فى ألمانيا التى تعتبر مزارا سياحيا هناك.وعلى أى حال فإذا جاز تصور أن الجميع قد نسوا هذه المأساة وضحاياها ، وما جرى للفلسطيينيين والعرب ،فسبحان الملك القدوس العليم الخبير بما حدث والشهيد عليه ،وهو المنتقم منهم (يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).(المجادلة :6) تحية لليهود العقلاء فى أوربا وغيرها ..تحية للقاضى الدولى اليهودى الجنوب أفريقى "جولدستون " رئيس لجنة التحقيق الدولية فيما جرى فى حرب غزة ،الذى سجل فى تقريره أن إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لقد فعلوا ما أملتهم عليهم ضمائرهم ..ولكن النتيجة كما ترون ..لافائدة .. (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌرَحِيمٌ) (لأعراف:167) صدق الله العظيم [email protected]