على مدار الأيام الماضية وتأتيني الرسائل المعاتبة على انقطاعي عن الكتابة السياسية ، البعض يتلطف ويصف ذلك بما يشبه تأخير البيان عن وقت الحاجة وأنه لا يجوز شرعا ، والبعض يتحدث بوصف الصمت هو هروب من المسؤولية تجاه الوطن وتجاه الرأي العام ، والبعض يتحدث بوصف الصمت ندما على ما كتبته سابقا في نقد الإخوان وتحذيرهم من مغبة سياساتهم الخاطئة في إدارة الدولة ، والبعض كانت رسائله شتائم معتادة يصعب أن تضعها تحت أي عباءة دينية أو أخلاقية ، والحقيقة أني تجنبت الكتابة في الشأن العام طوال المرحلة الماضية احتراما لمشاعر وجدت أنها من الهياج والطيش بما يستحيل أن تخاطبها في تلك الأثناء على أساس عقل أو منطق أو فكر أو نصيحة ، وأنت أمام خيارين ، إما أن تدغدغ مشاعرهم وتركب موجة المزايدة والتهييج لتكون بطلا في أعينهم ، وهي موجة رخيصة جدا ، ولكنها تمثل غشا وتضليلا لمن تحب أن تكون لهم ناصحا ، وتحب لهم الخير وتتمنى لهم السداد وتعينهم عليه ، وإما أن تلوذ بالصمت لعل موجة الهياج والعصبية تخف بما يسمح للعقل أن يكون له مكان ، ويذكر كل من تابع هذه الزاوية ، أننا منذ أربعة أو خمسة أشهر ونحن ننصح جماعة الإخوان المسلمين والرئيس السابق محمد مرسي أن يصححوا مسار إدارة الدولة ، وأن يتخلوا عن منطق الإقصاء وإعطاء ظهرهم للجميع ، وحدثناهم مرارا علنا وفي الغرف المغلقة عن أن هذا السبيل مآله خطير جدا ، ولن يسمح لمرسي أن يكمل مدته ، وأنهم يستعدون كل طوائف المجتمع وأجهزة الدولة ومؤسساتها كافة عليهم ، الجميع أصبح يكرههم ، حتى قطاع كبير من التيار الإسلامي نفسه ، وأن هذا المسار يمهد الأرض تماما أمام أي قوة تزيل سلطانهم وسيخرج الملايين يرحبون بذلك حينها ، وقلنا لهم أن مصر تغيرت ، وأن هناك ملايين الشباب الجديد الذي دخل بوتقة السياسة بعد ثورة يناير ويمكن أن يقلب كل المعادلات ، ولا بد أن تحسبوا لهم حسابا ، وقلنا لهم أنكم انتصرتم في يناير لأنكم كنت جزءا من نسيج وطني صلب ، وعندما تخرجون من هذا النسيج وتنفصلون وتتمايزون سيكون سهلا كسركم ولن يبكي عليكم أحد ، وقلنا لهم أن الشرعية في المجتمعات التي تعيش مدا ثوريا ودولة رخوة ليست في الصندوق وحده ، فالشارع الثوري أقوى من الصندوق وأكثر حسما منه ، فراهنوا على أنهم وحدهم الذين يمتلكون الشارع ، ووحدهم الذين يمتلكون القدرة على حشد الملايين ، حتى أنهم عندما فوجئوا بالملايين المذهلة يوم 30 يونيو لم يصدقوا أعينهم ، وقال كبيرهم أنهم ثمانية وثلاثين ألف متظاهر في عموم مصر ، وقلنا لهم أن ممارساتكم تدفع البلاد إلى الصدام وأن تلك اللعبة خطرة ، لعبة المقامرة الأخيرة ، إما أن تربح كل شيء أو تخسر كل شيء ، وستخسرون كل شيء ، فراهنوا على أنهم سيربحون الرهان يوم 30 يونيو وسيأخذون البلاد عنوة بعدها ، وكلام كثير قلناه ، وكتبناه ونشرناه ، وقرأه الجميع ، فلم يسمعوا لناصح ، ولم يقدروا للتحذير قدره ، وركبهم الغرور والاستعلاء وسلطوا غوغاءهم لشتيمتنا وهجائنا واتهامنا في شرفنا وفي كرامتنا الوطنية والدينية ، وبدلا من محاولات الإنقاذ والإصلاح راحوا يلعبون لعبة الشوارع والميادين ، لترويع المعارضين لهم وأجهزة الدولة ومؤسساتها ، في إصرار مؤسف على المغالبة والتحدي والصدام ، وليس السياسة والإصلاح والاحتواء ، ثم راحوا يتطاولون ببذاءة على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها الدينية والقضائية والحزبية والعسكرية والأمنية ، وجرؤ وزير إعلامهم على إلزام جميع قنوات التليفزيون الرسمي للدولة على نقل هذه البشاعات نقلا حيا من ميدان رابعة ساعات طويلة وهو ما لم يفعله صفوت الشريف في عز جبروته للحزب الوطني الغابر ، ثم راحوا يهددون بالمحاكم الاستثنائية والعسكرية لمعارضيهم ثم راحوا ينذرون القنوات الفضائية المعارضة لهم بالإغلاق ثم نشطت حملتهم للمطالبة بسرعة إلقاء القبض على قيادات المعارضة ونشطاء وإعلاميين وزجهم في السجون ثم وظفوا النائب العام السابق بصورة مؤسفة في ترويع المعارضين والإعلاميين بصورة غير مسبوقة في أسوأ استغلال لأدوات الدولة القضائية سياسيا ، ثم رفضوا بإصرار إعادة هيكلة الداخلية أو تفكيك جهاز أمن الدولة لأنهم رتبوا لتوظيفه ضد خصومهم مستقبلا ، ثم راحوا يرتبون تحالفات مع فلول النظام القديم ورجال أعماله لتسوية أوضاعهم القانونية والمالية نظير مقابل شراكة سياسية جديدة ، ثم راحوا يحاولون اختراق المؤسسات الصلبة ويحاولون ضرب بعض أجزائها ببعضها الآخر لتصبح رهينة مكتب الإرشاد وتأتمر بأمره وينتهي كل شيء ، وبعد أن خسروا الرهان ، ودارت الدائرة عليهم ، وأتاهم ما لم يكونوا يحتسبون آووا إلى اللعبة التي يحسنونها طوال تاريخهم ، صناعة المظلوميات ، وتلبس مسوح المضطهدين ، وشيطنة كل من خالفهم ، والحديث الأسطوري الساذج عن مؤامرات الشرق والغرب عليهم ، ثم راحوا يستدعون أسوأ صور الاتجار بالدين من أجل تصوير فشل مشروعهم على أنه فشل للإسلام ، وأن إسقاط مخططاتهم للهيمنة والتمكين هو إسقاط للإسلام ، وأن هذه الملايين التي خرجت ضدهم إنما يكرهون الإسلام ، وأنهم كفار وفلول وبلطجية ، وعلم الله أنهم يقولون منكرا من القول وزورا ، ويضللون المتعاطفين معهم عن الحقيقة وجوهر الأزمة ، وهناك ماكينة دعاية سوداء تطلق أكاذيب بشعة على مدار الساعة ضد كل شيء بصورة مجنونة ، ويسوقون تلك الأكاذيب داخل مصر وخارجها بكثافة مذهلة وبما يشبه غسيل مخ للإسلاميين ، وينفقون من رصيد الإسلام وهيبته وحرمته وأخلاقياته بطريقة عابثة وانتهازية لإنقاذ أنفسهم من تحمل حصاد أخطائهم الكارثية ، وللهرب من الاعتراف بمسؤوليتهم أمام أبناء الجماعة وأمام أبناء التيار الإسلامي ثم أمام الوطن كله ... وللحديث بقية .