* عاطف عبد الرشيد: ظلم ونوع من تصفية الحسابات مع أنصار "مرسى" * النايل سات: لم نصدر قرار الغلق.. ولا نعرف موعدًا محددًا لعودة البث * أسامة هيكل: قنوات تحريضية وإغلاقها كان ضرورة * حقوقيون: تعسف من الدولة وتدويل القضية أمر وارد قبل العام 2005 لم تكن مصر تعرف ما يسمى بالقنوات الدينية، ففى بدايات هذا العام ظهرت أول قناة فضائية تحمل الطابع أو المفهوم الدينى، وانطلقت تحت اسم قناة الناس، ثم أخذت القنوات الدينية فى الانتشار، وبرز على شاشتها عدد كبير من الدعاة، وتمتعت بشعبية جارفة عند الشعب المصرى المتدين بطبعه، واستمر الحال حتى النصف الأخير من العام 2010، قبل أن يصدر قرار سياسي من الرئيس المخلوع حسنى مبارك بغلق هذه القنوات بسبب تبنيها ملفًا ضد التوريث وفضح التجاوزات التى حدثت فى انتخابات البرلمان ليفوز حزب المخلوع بأغلبية ساحقة، وبعد ثورة يناير 2011 مهدت هذه القنوات الطريق للتيار الإسلامى حتى تصدر فصيل منه سدة الحكم متمثلاً فى جماعة الإخوان المسلمين، واستمرت تلك القنوات لمدة عام تصارع القنوات الليبرالية التى تنتقض ضد حكم الإسلاميين، وأصبح الإعلام فى مصر كفرسى رهان، أحدهما إسلامى والآخر ليبرالى، وغابت المهنية والحيادية وانتهكت كل المواثيق الإعلامية من الجانبين، حتى أضحى الناس والخبراء يصفونه بإعلام الردح، واستمر الحال حتى الثالث من الشهر الجارى، وتحديدًا فى الوقت الذى ألقى فيه قائد الجيش المصرى بيانه التاريخى الذى تردد صداه فى دول العالم أجمع، والذى أعلن فيه السيسى عزل الرئيس مرسى من حكم مصر استجابة للإرادة الشعبية والملايين التى خرجت للشوارع معترضة على حكم الإخوان، ووقت إلقاء البيان، كانت قوات الشرطة تحاصر استديوهات تلك القنوات وتلقى القبض على العاملين بها، وصدر قرار شفهي إلى إدارة النايل سات بوقف بث هذه القنوات على تردداته بدون سابق إنذار خوفًا من استخدامها كأبواق إعلامية من قبل أنصار مرسى للدفاع عنه، فيما اعتبره البعض تعديًا على حق كفله الدستور بحرية الإعلام، ونقض النايل سات لعقده مع تلك القنوات، وأصبح الأمر شائك به كثير من اللغط والبلبلة. "المصريون" التقت مجموعة من خبراء الإعلام للوقوف على أسرار غلق هذه القنوات.. فى البداية يقول الدكتور عاطف عبد الرشيد، رئيس قناة الحافظ، الذى صدر أمر بإغلاقها والقبض عليه: ما حدث معنا ظلم ونوع من التشفى والانتقام من المؤيدين للدكتور مرسى والمؤسسين للمشروع الإسلامى. ويتعجب عبد الرشيد من قرار الغلق الذى تم وفى لحظة من مؤسسات الدولة التى ندافع عنها، والتى هى جزء من النظام الذى يعمل تحت قيادة الرئيس مرسى منذ وقت قليل، وكان المبرر للغلق بحجة التحريض على العنف، على الرغم من رفعنا على الشاشة شعار "لا للعنف". وبسؤاله حول ما إذا كانت على القناة متأخرات مادية للنايل سات ربما تكون سببًا أو مبررًا للغلق، أكد أن قرار الغلق سياسى ولا توجد مديونية علينا للنايل سات، وما حدث هو انقلاب على الشرعية، وأخشى أن يكون ما حدث دليلاً على عودة نظام مبارك الذى أغلق القنوات الدينية من قبل. وأشار إلى أنهم يخشون من كشف الحقائق ويلجئون للتعتيم الإعلامى، ونقل المشاهد غير الحقيقية، لأن من يضطهدنا ليس على حق. وحول ما إذا استمر قرار الغلق، قال عبد الرشيد: سننتظر حتى نهاية الشهر، وإن لم تعد القناة سنلجأ للبث من الخارج. وتساءل: ما السر فى غلق القنوات تحديدًا مع بدايات رمضان؟ هل هناك فى مصر من يكره الإسلام إلى هذا الحد؟ وحول ملابسات القبض عليه، أجاب: "لقد قبضوا علي بحجة إن ما عنديش ويندوز، ووجدوا على الجهاز قرآن بصوت الشيخ العفاسى بدون إذن أو تصريح، فقلت لهم أنا لم أذع قرآنًا للعفاسى، ولكنهم لفقولى قضية وطلعونى بكفالة ألفين جنيه، لكى تصبح قضية متداولة فى المحاكم". وأشار فى تعجب من بيان السيسى الذى أكد فيه على ضرورة تفعيل ميثاق الشرف الإعلامى وحرية الإعلام، وما إن انتهى من خطابه تم غلق القنوات الدينية، وأكد أنه تم رفع دعوى قضائية ضد المنطقة الحرة الإعلامية والنايل سات ليتم تسويفها فى شهر أغسطس، فقمنا برفع دعوى مستعجلة وفى انتظار تحديد جلسة. على الجانب الآخر، يرى المهندس صلاح حمزة العضو المنتدب للشركة المصرية للأقمار الصناعية نايل سات للشئون الفنية والهندسية، الذى قال: النايل سات لم يصدر أمرًا بغلق القنوات ولا أستطيع الجزم بالمدة التى سيستغرقها قرار الغلق، وأنا لا أعرف موعدًا لعودة تلك القنوات للبث من عدمه، وبدا حمزة متحفظًا على غير العادة. فيما قال الدكتور أشرف الدعدع، المستشار الحقوقى ورئيس مؤسسة الانتماء الوطنى لحقوق الإنسان: حرية الإعلام تدخل فى إطار حرية التعبير، ونصت عليها المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، فحرية الإعلام مكفولة فى كل الدول والدساتير، ولكن ما بين قوسين فى إطار القانون، لأنه من المفترض أن هناك ميثاق شرف إعلامى يلتزم بالحيادية والشفافية، أما إذا كانت هناك وسائل إعلامية تحض على التمييز وتدعو للعنف أو انتهاك السلام الاجتماعى، فهنا يحق للدولة اتخاذ إجراءات استثنائية مؤقتة، وهذه الإجراءات تكون تحت رقابة القضاء، ويحق للقنوات المتضررة من قرار الغلق الطعن على القرار أمام الجهات القضائية فى حالة تعسف الدولة معها، واتخاذها قرار الغلق أو المنع، وقد نص الدستور المصرى الحالى على عدم إغلاق أى قناة أو أى وسيلة إعلامية إلا بحكم قضائى. وأشار الدعدع إلى أنه لا تعارض فى ذلك بين الدستور وحق الدولة فى اتخاذ قرار الغلق فى حالة الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد فقط، ويحق للوسائل الإعلامية اللجوء للقضاء للطعن، وإذا ثبت تعنت الدولة بدون مقتضى من دستور أو قانون يحق لهذه القنوات المطالبة بالتعويض المادى عن فترة الإغلاق علاوة، على مطالبتها بعائد الأرباح المحتملة فى حالة استمرارها فى البث وتقدير حجم الخسائر التى أصابتها من سحب العملاء لحملاتهم الإعلانية فى هذه الفترة. وحول إمكانية لجوء تلك القنوات لرفع دعاوى قضائية خارج مصر على خلفية خضوع القمر الصناعى المصرى للاتفاقيات الدولية، أكد الدعدع أنه لا يجوز للقنوات رفع دعاوى قضائية خارج مصر بخصوص هذا الموضوع، ولكن يحق لها كنوع من أنواع الضغط على الحكومة مخاطبة الأممالمتحدة والمنظمات المعنية بحريات الإعلام، لكى تقوم هذه المنظمات بمساندة القضية على المستوى الدولى والضغط على الحكومة، والمطالبة بالرجوع إلى الاتفاقيات الدولية التى قامت مصر بالتصديق عليها أو الانضمام إليها فى هذا المجال، حتى تتمكن القناة التى وقع عليها الضرر من وجود مساندة دولية أمام الجهات القضائية أو الحكومية، لأنه يتم استعراض الملف الخاص بمجال حقوق الإنسان فيما يسمى بالاستعراض الدورى الشامل بمقر الأممالمتحدة بجنيف مرة كل أربع سنوات، ومن ضمن الملفات التى يتم استعراضها ملف حرية الصحافة والإعلام. أما الخبير الإعلامى حسام عبد الهادى، فأكد أن غلق أى قناة سواء تنتمى للتيار الإسلامى أو الليبرالى لهو أمر مرفوض، وشن هجومًا على القنوات التى تبث الأكاذيب ليل نهار حتى أصبحت الثقة مفقودة بين الإعلام والناس، سواء فى الإعلام الحكومى أو الخاص، لما لمسه رجل الشارع البسيط من الانفلات الذى طال كل شىء تحت مسمى الحرية. وأضاف عبد الهادى الذى عرف نفسه بأنه ليس إخوانيًا ولا علمانيًا ولا ليبراليًا أن الحرية مسئولية، وشبهها بقيادة السيارة التى إن لم تتعلم فن قيادتها، فلن تستطيع السير بها فى الطريق، فما نعيشه ليس ديمقراطية وأن الموقف يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنظومة العمل الإعلامى لتوفير مجال عام يتيح حرية التعبير دون تجريح أو تشفٍ أو تصفية حسابات، والعمل على قدم المساواة بين أطياف الإعلام ووسائله الحكومية والحزبية والخاصة، ولا ننكر أن الإعلام الخاص حرك الماء الراكد فى المجتمع بإثارة الرأى العام حول قضايا كان فى بعضها محايدًا، وفى أحيان أخرى محرضًا نحو إشعال الحرائق وزرع الفتن التى هى فى الأصل أشد من القتل، وضرب مثلاً على ذلك عندما صنعت قنوات الإعلام الخاص فى ظل حكم المخلوع حسنى مبارك بأموال رجال أعمال نظامه الذين نهبوا ثروات مصر من أجل إظهار الديمقراطية الزائفة فى صورة أشبه بالمعارضة الحقيقية، ولم تكن تلك القنوات إلا آلهة عجوة صنعها النظام بيديه ليأكلها وقتما يريد إلى أن رحل النظام وبقى رجاله أصحاب تلك القنوات يدافعون عن نظامهم الذى يجرى فى عروقهم. وعن رأى وزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل فى غلق القنوات الدينية، قال: هذه القنوات ليست قنوات دينية ولكنها قنوات تحريضية كانت تستخدم فى توصيل رسائل من القيادات إلى القواعد فى التنظيمات، فكان إغلاقها ضرورة فى هذا اليوم (يقصد يوم إعلان بيان الجيش بعزل الرئيس مرسى)، لمنعهم من إثارة الفوضى، ولكن فى نفس الوقت أنا ضد قرار الغلق المستمر ويجب عند عودتها أن تقترن ببعض الإجراءات التنظيمية تحت إشراف الأزهر الشريف فى حال استمرارها على المسمى الدينى. وأكد هيكل أنه ضد المنع أو الغلق، ولكن مع التنظيم فى إطار القانون. وعن سؤاله عن تجاوز القنوات الليبرالية قال إن بها أيضًا تجاوزات وما يسرى على القنوات الدينية من إجراءات تنظيمية يسرى على جميع القنوات ولا يتم استثناء أحد، فأنا مع حرية الإعلام ولكن مع الحفاظ على قيم المجتمع، فهناك مذيع سب الدين على الهواء فى برنامجه، وظهر اليوم التالى بدون تقديمه أى اعتذار من جانبه أو من جانب القناة التى يعمل بها، فهل هذه حرية إعلام؟