تابعت معركة التصويت على تمديد قانون الطوارئ مما يقطع بأن أول خطوات الإصلاح هو تشكيل برلمان يعبر عن نبض الشعب الذى يشكو إلى الله عجزه أمام حكومة فرضت نفسها عليه وأصرت على أن تبقى تحت حماية قانون الطوارئ. فلا يجادل أحد فى أن قانون الطوارئ قد استمر كلما استمرت المظالم وتراجع قيم العدل ولذلك، فإن هذا القانون لم يرفع إلا عندما يرى الشعب حكومة تعيش ظروفه وتعانى ما يعانيه أو أن تعلن بشجاعة أنها عجزت عن إدارة المجتمع، ولن يتحقق ذلك إلا إذا جاءت حكومة منتخبة انتخاباً حقيقياً شفافاً. لهذا السبب لا يمكن لهذه الحكومة أن ترفع حالة الطوارئ لأن رفعها يؤدى إلى رفع الحرج عن المواطن والمشاركة الحرة فى الانتخابات، وفى هذه الحالة لا يمكن لهذه الحكومة أن تستمر يوماً واحداً لأن الطوارئ هى الحضانة التى تستمد منها الوقاية من جبال الثأر بينها وبين الشعب وقد أصبح من العار أن تؤخذ الحكم غصباً وأن تستمر قهراً لأن لكل شئ نهاية، وأن نهاية هذه الحكومة هى الانتخابات الحرة وهى التى تكافح الحرة الوطنية لإرغامها على خوضها ولم تجدى محاولات الالتفاف واتساع حالة عدم الثقة الشعبية فى هذه الحكومة. فقد كشفت أحداث الأعوام الثلاثة الأخيرة عن ظاهرة تحمل معها الصحة والمرض, فهى من الناحية السياسية يطلق عليها الحراك الاجتماعي والسياسى بعد ردح طويل من التحريك السياسى أو الخمود السياسى, ولكنه حراك ضد السلطة وليس مع الكتلة الصماء فى المجتمع المصرى التي بدأت تتحرك بعد أن عز عليها الكلام ,وبعد أن وصل ألمها والضغط عليها إلى مراكز الأعصاب, سواء بسبب الغلاء أو تردى الأوضاع الاقتصادية, أو الفساد من أعلى أو التفاوت الرهيب فى مستويات الحياة, وعدم مشروعية مصادر الثروة الجديدة فى معظم الحالات أو بسبب السياسات الاقتصادية والخصخصة وتحكم أقل من واحد فى المائة فى حياة الملايين دون أدنى شعور بالمسئولية. والمحزن أن احتجاجات الناس على ظواهر واضحة ملموسة وموجعة يقابلها استخفاف بل وتأمر من جانب المسئولين الذين تراوحت ردود أفعالها بين المواجهة الأمنية القاسية وتزوير الحقائق وإطلاق المزيد من الوعود وتقديم جرعات عاجلة من حلول وقتية, وأظن أن السلطة يجب أن تدرك أن احتجاج المجتمع المصرى بأكمله له أسباب مباشرة وغير مباشرة. أما المباشرة فهى تضييق الخناق على سبل الحياة كالبطالة والأمراض الاجتماعية وانهيار معظم مظاهر الحياة فى مصر بما لا يتناسب مطلقا مع قدرات مجتمع يستطيع أن يدير نفسه بكفاءة.أما الأسباب غير المباشرة لهذا الغليان فهو انعدام كفاءة السلطة وفسادها واستمرارها وإصرارها مما أدى إلى تفاقم ظواهر المرض. وإنى لأعجب من بعض المثقفين والمسئولين الذين يكتبون ويدلون بتصريحات لطمأنة الناس, بينما الكارثة تحل بالمجتمع. ويقتضى الإنصاف أن يتم التناظر مع هؤلاء أمام الشعب المصرى وشعوب العالم على الأقل لرد الاعتبار أمام هذا الشعب والنخبة المثقفة, فإن كانت السلطة تدرك ما حل بمصر فإن تقاعسها عن الإصلاح الحقيقى وتزوير الحقائق قد أضاع على مصر المسكينة فرص الشفاء العاجل قبل أن ،يستفحل المرض, بل إن رجال السلطة وكتبتها لا يخجلون من تبريراتهم وهم لا يدركون أنهم عروا أنفسهم ولم يعد أحد فى مصر يستمع إليهم بل لا يطيق أن يرى صورهم وإذا قدر للشعب أن يقول كلمته الحرة فيهم أمام العالم فلا أظن أنه سيسعدهم ذلك. ولا شك أن التصدي للاحتجاج والمحتجين عن طريق الأمن دون معالجة أسباب هذا الاحتجاج ودون الحوار الصادق مع المحتجين قد أضاف حرجا شديدا إلى الأمن فاضطر بعض عناصره إلى التجاوز تنفيذا للتعليمات العمياء بإسكات الناس ووصل الإسكات إلى السكوت الأبدي فأساء ذلك إلى صورة الأمن الذى يجب أن يعتز به الشعب. استمرار هذه الحالة سوف يؤدى إلى أحد اأمرين :إما ثورة الناس ضد الأمن, وإما انضمام الأمن إلي المحتجين فتصبح السلطة بلا أسنان وتسقط فور حدوث ذلك, وهذا احتمال وارد ولكنه مخيف ,وأرجو أن تأخذ السلطة هذا الاحتمال بعين الاعتبار. وأنى لأعجب أن يستخدم رجال السلطة عبقريتهم فى قمع الاحتجاج بدلا من حل المشاكل التي أدت إلى هذا الاحتجاج, ولكن عجزهم عن الحل وإفلاسهم هو الذى دفعهم إلى هذا التوظيف الشيطانى لعقولهم فأساءوا إلى الوطن وإلى المواطن الذى حرم حتى من حق الأنين. أخيرا فإن الاحتجاج رسالة وليس مواجهة, فإذا فهمتها السلطة على وجهها الصحيح أثمرت لخير المواطن والحاكم, وإن عمت واستعمت كان الوبال على الحاكم والمحكوم.