الائتلاف المصري لحقوق الإنسان يصدر ورقة تحليلية شاملة حول أيام الترشح لانتخابات البرلمان    الدكتور مجدى يعقوب للقاهرة الإخبارية: منتدى أسوان منصة سلام وتنمية لإفريقيا    الأمين العام الجديد لمجلس الشيوخ يعقد اجتماعا لبحث آليات العمل    طب قصر العيني توصي بدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الطبي    وزير الزراعة: 7.5 مليون طن صادرات مصر من المنتجات الطازجة والمصنعة    وزير الاستثمار يبحث مع شركة «بوينغ» تعزيز الشراكة الاستراتيجية في قطاع الطيران    توم باراك: نزع سلاح حزب الله مفتاح سلام وازدهار لبنان    بعد وقفها أمس .. إسرائيل تفتح معبري كرم أبو سالم وكيسوفيم لاستئناف إدخال المساعدات لغزة    رسميا، جراهام بوار مديرا فنيا لمنتخب السويد    وزارة الرياضة : ننسق مع اللجنة الأولمبية واتحاد تنس الطاولة لمتابعة تطورات وتحقيقات الأزمة بين لاعبين ببطولة أفريقيا    مصرع شخصين وإصابة 9 آخرين في حادث تصادم بالشرقية    غلق 4 منشآت مخالفة في حملة للعلاج الحر بالإسماعيلية    لأول مرة منذ أكثر من 100 عام، فتح قاعات متحف التحرير بدون عرض آثار توت عنخ آمون    من أجدع الناس، هاني عادل ينعى والدة أمير عيد بكلمات مؤثرة    فى احتفالية 50 سنة على مشوارها الفنى..نجيب وسميح ساويرس يقبلان يد يسرا    هيئة الدواء تحذر من تداول عبوات مغشوشة من دواء "Clavimox" مضاد حيوي للأطفال    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة في الإسكندرية لتسيير حركة المرور بأوقات الذروة    تقييم صلاح أمام مانشستر يونايتد من الصحف الإنجليزية    بعد تحريك أسعار الوقود| جدل حول ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة وتأكيدات بوفرة المعروض    مباريات اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025.. مواجهات نارية في دوري أبطال آسيا والدوريات الأوروبية    الأرصاد تحذر من طقس الساعات المقبلة: الحرارة تصل إلى 38 درجة    رئيس «الرعاية الصحية» يفتتح البرنامج التدريبي للقيادات الوسطى بالأكاديمية الوطنية للتدريب    وزير العمل: القانون الجديد يحقق التوازن بين طرفي العملية الإنتاجية    وزير الخارجية يلتقي المديرة التنفيذية لوكالة الاتحاد الأفريقي    قتيلان بحادث اصطدام طائرة شحن بمركبة أرضية في هونج كونج    حادث مروع على طريق أسيوط الغربي بالفيوم:.. إصابة 7 أشخاص في انقلاب سيارة سوزوكي    مراقب مزلقان ينقذ سيدة من الموت أسفل عجلات قطار في المنيا    إبعاد «يمني» خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام    20 أكتوبر.. عندما وقفت الشرطة المصرية فى وجه الإرهاب بالواحات    تراجع سعر الدولار أمام الجنيه في بداية تعاملات اليوم 20 أكتوبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 20 أكتوبر 2025    باستثمارات تتجاوز 65 مليون دولار رئيس اقتصادية قناة السويس يشهد توقيع عقود 4 مشروعات جديدة بالمنطقة الصناعية بالسخنة    أمسية ثرية فى مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 33 : أمير الغناء هانى شاكر يسرد قصص الغرام والشجن    أول ظهور تلفزيوني بعد الزفاف.. هشام جمال وليلى زاهر يكشفان تفاصيل الزواج    محافظ قنا يفتتح محطة مياه العيايشا المدمجة بعد إحلالها بتكلفة 20 مليون جنيه    في زيارة مفاجئة.. وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد    «الصحة» تنصح بتناول أطعمة غذائية متنوعة لإمداد الجسم بالطاقة    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025 في بورسعيد    نائب محافظ الجيزة: إعادة إحياء نزلة السمان جزء من خطة تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف الكبير    بعد 30 عامًا من النجاح.. عمر رياض يعلن التحضير لجزء جديد من "لن أعيش في جلباب أبي"    تهديد لأصحاب المعاشات| مسئول يعلق علي رفع أسعار الوقود ويطالب برفع الحد الأدنى للأجور ل 9 ألاف جنيه    محاولة اغتيال ترامب| أمريكا تحقق في واقعة استهداف طائرته الرئاسية    فوز رودريجو باز في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ببوليفيا    وزير الصحة يبحث خطة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في المنيا    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    التاريخ ويتوج بكأس العالم للشباب    الأهلي يحصل على توقيع صفقة جديدة.. إعلامي يكشف    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    ولي العهد السعودي وماكرون يناقشان جهود إحلال الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط    ملخص وأهداف مباراة المغرب والأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب    هل ينتقل رمضان صبحي إلى الزمالك؟.. رد حاسم من بيراميدز    ميلان يقفز لقمة الدوري الإيطالي من بوابة فيورنتينا    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    6 أبراج «نجمهم ساطع».. غامضون يملكون سحرا خاصا وطاقتهم مفعمة بالحيوية    ثقافة إطسا تنظم ندوة بعنوان "الدروس المستفادة من حرب أكتوبر".. صور    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة رجب 1447 هجريًا فلكيًا يوم الأحد 21 ديسمبر    هل زكاة الزروع على المستأجر أم المؤجر؟ عضو «الأزهر العالمي للفتوى» توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى مالك بن نبى (2/2)
نشر في المصريون يوم 13 - 07 - 2013

لعل فكرة القابلية للاستعمار هي أخطر وأهم ما علق بالذاكرة الثقافية العربية من تراث مالك بن نبي، وعلى الرغم من القبول الواسع للفكرة في مراحلها الأولى، بفعل إبهار الجدة فيها والمفاجأة، إلا أن الفكرة لاقت قدرًا متعاظمًا من التمرد في السنوات الأخيرة من قبل قطاعات جديدة من المثقفين، بما فيهم مثقفون إسلاميون، وأذكر أنني كنت في أمسية فكرية مع بعض الأصدقاء من المثقفين المصريين والعرب، وكان الحديث بيننا هادئًا عن أحوال الأمة وقضاياها وتحدياتها القائمة والمستقبلية، حتى أتى ذكر مالك بن نبي رحمه الله ونظريته عن القابلية للاستعمار، حيث انتفض الصديق المفكر الفلسطيني المرموق، وقال: هذا هراء، أين هي هذه القابلية للاستعمار طوال تاريخنا كله؟ لم يأت غاز ولا مستعمر إلا وقاومناه، ودفعت هذه الأمة طوال تاريخها الحديث والقديم ضريبة الدم والروح والمال دفاعًا عن وجودها وانتصارًا لكرامتها، متى كانت هذه القابلية للاستعمار موجودة، هذا وهم ثقافي صنعه مالك بن نبي وانبهر به مثقفون مهزومون، كانت كلماته مندفعة كطلقات مدفع رشاش يصعب أن توقفها، وكان واضحًا أن الغضب من الفكرة مدفون في وجدانه فوجد اللحظة التي انفجر فيها من خلال الحوار، والحقيقة أن فكرة مالك بن نبي عن مسألة "القابلية للاستعمار" نجحت في أن تحقق انتشارًا كبيرًا في المحيط الثقافي الإسلامي والعربي خلال النصف قرن الأخير كله، بل إن الفكرة كانت تملك من الإبهار والمفاجأة أن جعلت مفكرًا وأديبًا مثل إحسان عبد القدوس يفرد لها كما أسلفنا مقالًا كاملًا في افتتاحية مجلة روز اليوسف التي كان يرأسها أيام عزها الكبير في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، مبشرًا القراء بنظرية رائعة جديدة جديرة بالتأمل والترحيب، بيد أن فكرة مالك عن القابلية للاستعمار كانت مثل غيرها من الكثير من الأفكار الإسلامية والعربية التي ظهرت في تلك الفترة، كانت أسيرة للحظة التاريخية التي تعيشها، وأحيانًا للتجربة السياسية أو الاجتماعية التي عاشها المفكر أو الأديب، مما يجعلها عاجزة عن تفسير سياقات تاريخية كثيرة، كما أنها بطبيعة الحال كانت عاجزة عن أن تقود مجتمعاتها نحو التقدم والنهوض، لأنها لم تكن قادرة على احتواء أبعاد الزمان والمكان والماضي والمستقبل والخريطة الإنسانية الحالية في مدركاتها وهي تكتمل في ضمير الكاتب أو وعيه، وكانت أقرب إلى جلد الذات أو إعلان عن الإحساس بالألم، مالك كان متأثرًا بدون شك بتجربة الجزائر مع الاستعمار الفرنسي، وهي تجربة كئيبة للغاية، كما أنها الحالة الاستعمارية الأطول في العالم العربي كله، خرجت في ظلها أجيال من الشعب الجزائري لا تعرف سابقًا ولا لاحقًا سوى الوجود الفرنسي الاستيطاني، والذي لم يكن وجودًا سياسيًا وعسكريًا مثل الإنجليز في مصر مثلًا، وإنما كان حالة استيطان كاملة، رتبت أوضاعها بحيث تكون تلك البقعة من أرض العرب والمسلمين جزءًا لا يتجزأ من فرنسا، في النظم التعليمية والإدارية والثقافية والسياسية وحتى المنشآت والتخطيط العمراني، مع حرص شيطاني على عزل الشعب الجزائري العربي المسلم عن أي قدرة للنهوض أو الانبعاث ولدرجة أن فرنسا خرجت من الجزائر و93% من الشعب الجزائري أميون، وكان من الطبيعي أن تنشأ أجيال تتعايش مع هذا الواقع الجديد الذي ولدوا في ظله بل ولد آباؤهم وأجدادهم في ظله، وربما تصور مالك في تأملاته في هذا الواقع المعقد أن بنية المجتمع الثقافية والروحية والعلمية تنتج حالة من الضعف والفراغ التي تتيح لقوى الاستعمار أن تتمدد فيها، كما أن بعض النماذج من المثقفين المتفرنسين في الجزائر كانوا يروجون أفكارًا مؤيدة للوجود الاستعماري، وهذا لم يكن أيام مالك وحده، بل وحتى الآن، فلا شك أن هذه الأجواء كانت حاضرة في تأملاته وهو يطرح فكرته عن القابلية للاستعمار، بمعنى وجود صفات وخصائص طارئة للأمة تجعلها مستعدة نفسيًا وفكريًا للقبول بوجود الاستعمار، ورأى مالك أن حديثنا المتكرر عن الاستعمار ومقاومة الاستعمار كان شماعة نعلق عليها ضعفنا وسلبياتنا وخواءنا الروحي والفكري الذي جعل الاستعمار يتمدد فينا، وأكد مالك أن هذه القابلية ليست مجرد الانكسار العسكري، فألمانيا واليابان انكسرتا عسكريًا في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك نهضتا خلال عشر سنوات فقط لكي تمثلا قوة اقتصادية وسياسية ناهضة تزاحم ثم تسبق على الصعيد الدولي، بيد أن المشكلة أن فكرة مالك ذاتها تحولت إلى "شماعة " هي الأخرى لقطاعات من المثقفين العرب والمسلمين الذين ينتقدون أي روح للمقاومة الفكرية أو الروحية أو المادية للهيمنة الأجنبية في العالم العربي والإسلامي، بدعوى أن علينا أن نصلح أحوالنا أولًا، وأن نقاوم الأمراض الدفينة في بنيتنا الفكرية والدينية والسياسية، قبل أن نواجه ضغوط الآخرين، بل اتسعت تلك الرؤية للدعوة إلى حرمان شعوب العالم الثالث من الحرية والديمقراطية بدعوى أن الشعب لم يتطور بشكل كافٍ بحيث يستوعب هذه النظم العصرية، بل إن كاتبًا أمريكيًا من أصول إفريقية لم يجد حلًا لهموم إفريقية إلا بعودة الاستعمار الأوروبي من جديد حاكمًا لشعوبها، غير أن ما يبقى لنا من فكرة مالك بن نبي هو أهمية الانتباه إلى خطورة توجيه طاقات الغضب إلى الآخر بينما نتجاهل توجيه طاقات الغضب إلى الذات المتخاذلة والمتكاسلة والمفرطة في واجباتها الإنسانية والدينية والحضارية، والتي يبدو وكأنها تتعايش بدون اكتراث مع واقعها المهترئ علميًا وإداريًا وتنظيميًا وقيميًا.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.