تحولت المسيرة التي كان مقررًا أن تنطلق أمس من أمام مسجد عمر مكرم بميدان التحرير إلى مقر مجلس الشعب القريب إلى مظاهرة شارك حوالي 400 شخص يمثلون كافة القوى الوطنية وبينهم عدد من أعضاء مجلس الشعب، وذلك بعد أن حال الأمن دون السماح للمشاركين بتنظيم المسيرة لعرض قائمة بالمطالب الإصلاحية على الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس البرلمان، وعلى رأسها تعديل الدستور، خاصة المواد 76و77 و88، وتخفيف شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وتوفير الضمانات لنزاهة الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإلغاء حالة الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ نحو 30 عامًا. وخلال التظاهرة التي شهدت احتكاكات بين الأمن والمتظاهرين وخلافات حادة بين المشاركين، ردد المتظاهرون الذين تجمعوا في حديقة مسجد عمر مكرم، الهتافات المناهضة للنظام الحاكم، ومنها "يسقط يسقط حسني مبارك" و"لا لاحتكار السلطة" و"لا لاحتكار الثروة" و"يا مصري فينك فينك من زمان مستعبدينك"، ورفعوا لافتات كتبت على إحداها عبارات "مطالب الشعب.. وقف حالة الطوارئ.. وقف الاعتقالات السياسية.. تعديل مواد الدستور 76 و77 و88 ضمانات نزاهة الانتخابات". وقال النائب المستقل حمدين صباحي "نعلن مطالبنا واضحة ونطالب بمناقشة قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي تقدم به 100 نائب وتؤكد توحد كافة المصريين بكل انتماءاتهم السياسية والحزبية كما تؤكد أن كل الموجودين مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمصريين، وأولها حد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 جنيها، ونعلن تضامنا مع المعتصمين أمام مجلس الشعب وندين زيارة السفاح الصهيوني إلى مصر"، في إشارة إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى شرم الشيخ أمس. وشهدت المظاهرة تباينا في الرأي ومشادات كلامية في ظل إصرار بعض المشاركين على تنظيم المسيرة حتى مجلس الشعب أو إلغائها، بينما رفض البعض الآخر ذلك تفاديًا للاصطدام بالأمن. وقالت الناشطة والصحفية نور الهدى زكي، لابد من القيام بالمسيرة حتى مجلس الشعب لتقديم المطالب المراد تقديمها، واتهمت النواب بالبحث عن "الشو الإعلامي" في بياناتهم التي يلقونها أمام كاميرات التلفزيون وأنه ليس هناك وقت لديهم، على حد قولها. إلا أن محمد البلتاجي الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية ل "الإخوان المسلمين"، رفض تلك الاتهامات، وصاح قائلا: لا نريد لأحد أن يزيد علينا، فنحن الذين بدأنا ودعونا للمظاهرة والمسيرة. وقال جورج إسحاق المنسق العام الأسبق لحركة "كفاية" بضرورة التحام النواب مع المتظاهرين ورجل الشارع والقيام بالمسيرة في مواجهة الحصار الأمني، إلا أن البلتاجي رفض قائلا: "يعني هنسيب رموزنا تتكلم ونسيبها ونمشي" ورد إسحاق: إحنا مش جايين للرموز إحنا جايين للناس. وأبدى الإعلامي حمدي قنديل، المتحدث باسم "الجمعية الوطنية للتغيير" رفضه تنظيم المسيرة إلى مجلس الشعب، باعتباره "لا يمثل الشعب لأنه يأتمر بأمر ولي الأمر وإذا لم يكن يأتمر بأمر ولي الأمر لكانت هذه المطالب المحدودة قد خرجت من تحت القبة، لكن مجلس الشعب حاصرها، وبالتالي فلن نقدم هذه المطالب إلى مجلس الشعب الذي لا نحترمه والذي رفضها من قبل". وقال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والأمين العام ل "الجمعية الوطنية للتغيير": لا نريد أن نصطدم بأحد ولا نعادي أحدا ولكن نريد أن ننقذ مصر من المستقبل الذي ينتظرها وأن تتاح لهذا الشعب حرية الاختيار. وأكد النواب المشاركون في التظاهرة أنهم كانوا اتفقوا مع الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في ساعة متأخرة من مساء يوم الأحد على القيام بالمسيرة دون أي إخلال بالأمن وأن يقوم وفد من النواب بتسليمه قائمة المطالب التي تتبناها القوى السياسية المشاركة في التظاهرة إلا أنهم فوجئوا أثناء وجودهم أمام مسجد عمر مكرم أمس بقيادات أمن الدولة تخبرهم بأن المسيرة ممنوعة، وطالبهم التحرك من أمام مسجد عمر مكرم والاتجاه إلى الحديقة وفرض عليهم كردونا أمنيا. وصرح الدكتور حمدي حسن المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للإخوان أن النواب قرروا استبدال المسيرة التي لتقديم مطالب القوى السياسية من خلال وفد من عدد من النواب، وبرر إلغاء المسيرة بالحرص على أمن البلد، مؤكدا أن المظاهرة أثبتت حقا دستوريا في التظاهر من أجل المطالب المشروعة. واعتبر الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري في كلمته للمشاركين أن وجودهم "يدل على أن مصر بخير وأنها بدأت طريقها السليم مضيفا: نحن على استعداد أن ندفع الثمن"، وتابع نطالب بحرية تنظيم الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار وإجراء انتخابات نزيهة وإصلاح الخطيئة الدستورية الكبرى المادة 76، وتساءل: لماذا لا يكون الدكتور محمد البرادعي مرشحا ولماذا لا يكون حمدين صباحي مرشحا ولماذا لا يكون الدكتور حسن نافعة مرشحا والدكتور محمد أبو الغار. وكان المشاركون شكلوا وفدًا منهم لمقابلة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب قائمة بمطالبهم إلا أنهم فوجئوا برفضه استقبالهم، بعد أن طلب استقبال النواب الستة المشاركين فقط وهم: حمدين صباحي وعلاء عبد المنعم وسعد عبود وجمال زهران وحمدي حسن ومحمد البلتاجي، دون ممثلي القوى السياسية. واعتبر النواب مطلب رئيس مجلس الشعب خرقا لاتفاق الطرفين مساء الأحد والذي يتضمن تنظيم المظاهرة في ميدان التحرير، على أن يتوجه وقد يضم النواب الستة وبعض ممثلي القوى السياسية لمجلس الشعب سيرا على الأقدام لتسليم الدكتور سرور المذكرة التي تتضمن مطالبهم. وكان من المفترض أن يمثل القوى السياسية كلا من الدكتور يحيى الجمل وصلاح عبد المتعال والمستشار محمود الخضيري والدكتور حسن نافعة ومحمد أبو الغار وجورج إسحاق وسكينة فؤاد والدكتور عبد الجليل مصطفى، وبعد رفض سرور استقبالهم قرر النواب عدم التقدم إليه بقائمة المطالب احتجاجًا على موقفه. وأبدى عبد الحليم قنديل المنسق العام لحركة "كفاية" غضبه من استئذان النواب لوزارة الداخلية في القيام بالمظاهرة، وعدم القيام بالمسيرة، واصفا ما حدث خلال المظاهرة ب "العك السياسي"، لاسيما أن الجميع حضروا من أجل مسيرة وليس مجرد وقفة احتجاجية منتقدا بشدة انسحاب النخبة من التظاهرة ليصبح الشباب في مواجهة الأمن الذي اعتدى عليهم. وكان يشير بذلك إلى قيام قوات الأمن بالاعتداء بالضرب على المشاركين في المظاهرة الذين حاولوا كسر الحصار، حيث ضربهم الجنود بالهراوات وداسوا على نشطات وأصابوا عددا من النشطات والنشطاء بخدوش ورضوض، كما تم اعتقال الناشط السياسي أحمد دومة عضو اللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأي وتم عرضه أمس على نيابة عابدين. غير أن حمدي قنديل المتحدث الإعلامي باسم "الجمعية الوطنية للتغيير" اعتبر أن المظاهرة تكفي في ظل هذه الظروف، مشيرا إلى أن الخوف من الاعتداءات والاعتقالات هو الذي حكم موقف المطالبين باقتصارها على وقفة احتجاجية بدلاً من تنظيم المسيرة، معتبرا أن الأمر لا يتجاوز وجود تباين بين المشاركين رافضا تقديم مطالب لمجلس الشعب باعتباره لا يمثل الشعب. وفي نفس الإطار، اعتبر المستشار محمود الخضيري المنسق العام ل "تجمع مصريون من أجل انتخابات حرة" المظاهرة ناجحة برغم العدد القليل الذي شارك فيها والحصار الأمني، مشيرا إلى أن منع المظاهرات لمدة 60 عاما وترهيب الشعب هو ما يدفع المواطنين للتردد في المشاركة رغم يقينه أن هذه التظاهرة تعد بداية جديدة وسيتلوها مظاهرات أكبر عدد من المستقبل.