سألنى صديقى الإخوانى: ماذا لو فعل الرئيس مرسى ما فعله رئيس الوزراء التركى وأمر الشرطة بإخلاء ميدان التحرير بالقوة عقب مظاهرة يوم 30 يونيه؟ هل يتقبل الشعب المصرى ذلك كما تقبل الشعب التركى قرار رئيس وزرائه بإخلاء ميدان تقسيم بالقوة؟ قلت له: ومن أخبرك أن الشعب التركى قد قبل بقرار رئيس وزرائه، فقد خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع ينددون بقرار أردوغان ويهتفون ضده ويطالبونه بالرحيل رغم الإنجازات الكبيرة التى حققها أردوغان لشعبه. مشكلة بعض الإخوان أنهم يعقدون مقارنات غير صحيحة بين د.مرسى وحكام إسلاميين حققوا العدل على الأرض، فهم يشبهونه مرة بأردوغان ومرة يرون فيه مهاتير محمد، بل شبهه بعضهم بالخليفتين: عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز. والواقع أنه لا وجه لمقارنة الرئيس مرسى برئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان من قريب أو بعيد.. فالأول لم يقدم شيئًا لشعبه على مدى عام كامل من ولايته، والثانى يقدم كل يوم إنجازًا جديدًا للشعب التركى الذى انتخبه بفارق بسيط وعرف كيف يقنع شعبه بأنه رئيس لكل الأتراك.. الرئيس مرسى وعد شعبه بالكثير ولم يف بما وعد، وأردوغان ينجز دون وعد وقد ارتفع خلال عشر سنوات من حكم حزبه "العدالة والتنمية" بدخل المواطن التركى من ثلاثة آلاف دولار سنويًا إلى 12 ألف دولار، وارتفع بالدخل العام لتركيا من 205 مليارات دولار إلى 890 مليار دولار سنويًا. من حق أردوغان أن يغضب من هتافات بعض الشباب الأتراك، ومطالبتهم له بالرحيل، ووصفه ب"الديكتاتور"، لأنه لم يقص المخالفين لحكمه ويحرمهم من الوظائف القيادية، ولم يقرب منه جماعات تكفيرية تصدم الشعب التركى بأحكام وفتاوى غريبة وشاذة كل يوم، ولم يختر عناصر قيادية غير جديرة بما يسند إليها من مهام من نوعية وزير الثقافة ومحافظ الأقصر وغيرهما من العناصر الإخوانية أو المنافقة للأخلاق التى اختارها مكتب إرشاد الجماعة وصدم بها المصريين، ولم ينفرد أردوغان بالقرارات المصيرية ويتجاهل آراء ونصائح مستشاريه كما فعل الرئيس مرسى. لم يرتكب أردوغان طوال عشر سنوات حكم فيها تركيا ما ارتكبه الرئيس مرسى من أخطاء فى المائة يوم الأولى من حكمه.. ومع كل الإنجازات التى حققها أردوغان لشعبه ووطنه لم يقبل الشعب التركى أن يتحول أردوغان إلى ديكتاتور، فخرج ورفض قراره ببناء مركز تجارى فى حديقة عامة، وهتف ضده وطالبه بالرحيل. رفض الشعب التركى أن يتحول حزب أردوغان الحاكم والفائز بالصندوق إلى حزب سلطوى يفعل ما يحلو له، يعين من يريد فى الوظائف القيادية، ويقرر ما يشاء دون الرجوع إلى شركاء الوطن، ولم تشفع إنجازات الحزب الكبيرة والضخمة زراعيًا وصناعيًا وفى قطاع السياحة وتحويل تركيا وخاصة إسطنبول إلى قبلة لكل سياح العالم.. فضلاً عن النهضة العمرانية التى عاشتها تركيا من أقصاها إلى أقصاها خلال عشر سنوات فقط.. كل هذه الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع فى تركيا لم تشفع لأردوغان فى أن يتحول إلى حاكم ديكتاتور. ***** المتابع لخطابات الرئيس مرسي الأخيرة وما تحمل من تهديدات، وقراراته الصادمة التى تمثل تحديًا لمشاعر شعبه فى تعيين وزراء ومحافظين ينتمون لجماعته وجماعات وتنظيمات ذات سجل حافل بالعنف، وعدم التفاته لنداءات الجماهير التى تطالبه بالرحيل يوميًا عبر وسائل الإعلام ومن خلال التظاهرات إلى تشهدها القاهرة والمحافظات.. يدرك أن مرسى يحاول أن يسير على خطى أردوغان فى إظهار "العين الحمرا" للشباب الغاضب. لكن ما فعله أردوغان فى تركيا لم يفعله الرئيس مرسى فى مصر.. فأردوغان استجاب لمطالب الشباب التركى الغاضب، وقرر وقف العمل فى المبنى التجارى فى ساحة الحديقة، واللجوء للقضاء ليحسم الخلاف معبرًا عن رضوخه لحكم القضاء التركى، ومؤكدًا التزامه به، وهذا ما لم يفعله الرئيس مرسى الذى يتحدى دائمًا قرارات القضاء ويضرب بها عرض الحائط ويستهين هو وجماعته بها، ولا تتوقف قيادات الجماعة عن توجيه الاتهامات العشوائية للقضاء. من حق أردوغان أن يغضب من الهتافات المعادية له فى تركيا، لأنه حقق على الأرض هو وحزبه إنجازات حقيقية، واستطاع أن يبنى تركيا الحديثة دون أن يقتنص الوظائف القيادية فى الدولة لجماعته، ودون أن يمن على الشعب التركى بما حققه من إنجازات، بل وهو فى قمة الغضب من وصف بعض الشباب الثائر له ب"الديكتاتور"، قال إنه "خادم للشعب التركى". لقد قضى الرئيس مرسى ربع ولايته دون أن يحقق إنجازًا واحدًا على أرض الواقع رغم الآمال الكبيرة التى علقها الشعب عليه، حتى الذين لم ينتخبوه تمنوا له التوفيق من أجل استقرار البلاد وتخليص العباد من الأزمات والمشكلات التى تضخمت بعد نجاح الثورة وزيادة حالة الانفلات الأمنى فى البلاد وانهيار قطاع السياحة وخواء خزائن البنك المركزى من معظم ما تركه نظام مبارك فيها من عملات أجنبية وانتشار كل صور الفوضى والعشوائية فى الشارع المصرى. لكن للأسف.. مضت المائة يوم الأولى من حكم الرئيس مرسى دون أن يتحقق ما وعد به ولحقتها مائتان وستون يومًا أخرى وحال البلاد ينتقل من سيئ إلى أسوأ ليس نتيجة تآمر المصريين على رئيسهم ووضع العراقيل فى طريقه، كما تردد عناصر إخوانية يوميًا فى وسائل الإعلام.. ولكن بسبب عناد الرئيس وعدم استجابته لنصائح مستشاريه وسيطرة مكتب الإرشاد على صناعة القرار الرئاسى والحكومى، وهو ما كشف عنه معظم مستشاريه عقب هروبهم من المركب الرئاسى قبل أن يغرق ويغرق البلاد فى دوامة من العنف لا يعلم سوى الله وحده ما ستسفر عنه. لن يسمح الشعب المصرى لنظام حكم أن يستنسخ ديكتاتورًا جديدًا مهما قدم للوطن من إنجازات، ولن يسمح هذا الشعب المطحون واليائس والمحبط من أحواله المعيشية أن يستبدل فساد الحزب الوطنى المنحل واستئثاره بالسلطة بحزب الحرية والعدالة.. وهذه أولى دروس وإنجازات الثورة التى ينبغى أن يدركها الرئيس وأعضاء حزبه وجماعته. ما يحدث فى القاهرة وكل محافظات مصر الآن من غليان شعبى يتصاعد مع اقتراب يوم 30 يونيه السبب فيه هم جماعة الإخوان المسلمين وسياستهم الإقصائية وانفراد الجماعة بصناعة القرارات والمواقف المصيرية للوطن. حزب الجماعة هو الذى جاء بوزير استثمار لا خبرة له فى الاستثمار، ولا يدرك حرمة المال العام، فطلب أطعمة ومشروبات ب33 ألف جنيه من المال العام، وطلب شراء أثاث من شركة يملكها رجل أعمال إخوانى بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون. حزب الجماعة هو الذى جاء بوزير ثقافة لا يوجد له تاريخ ثقافى، ولا يتمتع بحكمة فى إدارة وزارة تمثل الواجهة الثقافية والحضارية لدولة عريقة فى حجم مصر، فكان مثالاً للموظف العشوائى الذى لا يدرك ما يفعل، ولا يعى تداعيات وخطورة ما يقرر. استمع لشعبك.. واحترم إرادته.. يا سيادة الرئيس. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.