اقتل أخاك ففي النار متسع لك، لن تضيق بك، ولن تضجر بوجودك، هناك موضعك ينتظرك أيها القاتل الأثيم، لتذوق حينها ألم القتل، ومرارة إهدار روح أخيك، وستعرف حينها حجم جريمتك، وبشاعتها، وسترى حرمة دم أخيك. اقتله واشرب دمه، فلم يعد فيك قلب يرحم، أو نفس يفزعها لون الدم حين يسيل على الطرقات. اقتله وعجل بذهابك لجهنم فيظهر أنك اشتقت إليها، وربما أعجبتك وأعجبك لهيبها، وربما كان لظاها ينعش روحك الآثمة. اقتله لتكن ملعونًا مذمومًا مغضوبًا عليه، مصداقًا لقوله سبحانه: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» [النساء:93]. اقتله لتكن أول من يُقضى بينهم يوم القيامة، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» [رواه البخاري6864، مسلم1678]. اقتله لتكن أبغض الناس إلى الله عز وجل، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ» [البخاري6882]. اقتله فكأنما تقتل الناس جميعًا، مصداقًا لقوله سبحانه: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ» [المائدة:32]. اقتله ولا تنظر في عينيه، فربما رحمته، أو أشفقت على أطفاله الصغار، وأبويه الكبار، وعائلته التي تنتظر رجوعه، لكنك أعدته لهم جثة هامدة، وجسدًا لا يتكلم، وربما دفعك غرورك للنظر إليه راقدًا هامدًا فتبتسم أو تضحك بملء فمك، خسة وشماتة فيمن لا يستطيع الرد أو الدفاع عن نفسه. اقتله فلا شيء في الدنيا يستطيع أن يوقفك عن القتل؛ إلا أن تفتح قلبك لنداء الله الذي يمدك بمدد من عنده، يكبح به شذوذ الفكر الذي يعتريك، ويفسح به ضيق النفس الذي يحيط بك، وينقلك به من ضيق الأفق وضيق الأرض إلى سعة الدنيا والآخرة، فترى رحابة الدنيا وأنت في كوخك الصغير، وتشاهد سعة الحياة ولذتها وأنت لا تملك لقمة عيش تشبع بها بطنك الخاوية. نعم؛ إنها بشاشة الإيمان التي تنقل الإنسان نقلة نوعية، فيقفز فوق حسابات الدنيا، ووساوس الشياطين، وأوهام الحياة التي لا نهاية لها، فيراجع نفسه، ويضبط أفعاله، فإذا مشى في الناس كان بلسمًا ونسيمًا، وإذا نطق ينطق شهدًا، فإذا صمت فالحكمة والعقل والسكينة، فهو يتقلب من خير إلى خير، كالنخلة يرميها الناس بالحجر فترميهم بأجمل الثمر. فكن كالنخلة ولا تكن قاتلًا، كن نبيلًا ولا تكن ظلومًا غشومًا، كن جميلًا ولا تكن بذيئًا، كن إنسانًا ولا تكن غير ذلك. كن كريمًا على نفسك، ولا تهن نفسك بيديك، ولا تبع دنياك وأخراك بدراهم معدودة لا تثمن ولا تغني من جوع، ولن تغني عنك من الله شيئًا، فما هي إلا لحظات وينطوي العمر، ونذهب جميعًا إلى الله عز وجل، فيسأل الجميع عما اقترفت يداه، ولا يظلم ربك أحدًا. فإن لم تعجبك نصيحتي، واخترت قتل أخيك فاقتله ففي النار متسع لك، ولن يبكي عليك غيرك ما لم تبك على نفسك، وما أجمل أن يذهب المرء لربه خاليًا بريئًا من الدماء المحرمة. وما أروع أن تصغي سمعك لوصية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حين قال له رجل: أوصني، فقال: «لِيَسَعْكَ بيتُكَ، وابْكِ مِن ذِكْرِ خطيئتك، وكُفَّ لسانكَ» [الزهد لابن المبارك130]. فابك على خطيئتك أيها الرجل، وكفَّ عن الناس أذاك بالقول والفعل، فإن كنت مصرًا على النار فاقتل أخاك عامدًا متعمدًا قاصدًا مترصدًا، فهناك تلقى الجزاء، ويا ويلك من جزاء يومئذ، وأنت الآن في عافية، فلا تلوث يديك بدم حرام، ولا تلقي بنفسك في اللعنة والنار بدم لا يحل لك إراقته. استمع للمقتول حين يقول لك: «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ» [المائدة:28]. فكن كالمقتول تخاف الله، ولا تكن كالقاتل تطارده اللعنات، وتنتظره النار، حين لا ينفع الندم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.