- مرة أخرى، وثالثة وعاشرة، يثبت اللوبي النسائي أنه أقوى لوبي في مصر، وأنه - بنفوذ نسائه المتنفذات في أعلى مواقع السلطة وتوابعهن من المقتنعين والمنتفعين - قد صار أقوى مما سواه من جماعات الضغط الأخرى في المجتمع مثل لوبي رجال الأعمال أو لوبي تجار السلاح أو نواب القروض أو غيرها، وخير شاهد على قوته ونفوذه هو ما حدث مع مجلس الدولة الفترة الماضية. - وكانت الجمعية العمومية لمجلس الدولة قد قررت بأغلبية ساحقة بلغت 334 عضواً مقابل 43 عضواً (نسبة 89%) رفض تعيين المرأة قاضية في المجلس، وأكده مرة أخرى لاحقاً بأغلبية 317 عضواً مقابل عضوين (نسبة 99.3%)، هذا القرار بصدوره من الجمعية العمومية وبهذا الحسم وهذه النسبة ومن إحدى أعلى الجهات القانونية في البلاد يمثل تصحيحاً لما أنتزعه اللوبي النسائي في سنوات الضعف الأخيرة من حقوق هي ليست للمرأة وفيها المخالفة للشرع الكريم يساعدهم في ذلك إستقوائهم بالسلطة اللاتي يسيطرن على رجالها، ويستعن ببعض المنتسبين للعلم الشرعي الذين يصعدنهم في السلم الوظيفي مقابل أن ينبشوا في بطون الكتب الفقهية حتي يخرجوا برأي شاذ هنا او كلمة هناك فيستخدمونها في الإطاحة بإجماع الفقهاء المستند للفهم القويم لكتاب الله وسنة نبيه، فيخرج هؤلاء علينا ليقولوا أن في الأمر رأيان !!، وانهم يأخذون بالرأي الذي يرضي النسوة والذي يتوافق مع الحضارة ومتطلبات العصر ومقررات حقوق المرأة...إلخ !!. - جاء قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة محاولاً وضع النقاط فوق الحروف ومصححاً وضعية تخالف الشرع وتصادم الواقع، فلم يشذ من بين عشرات الآلاف من الفقهاء في صدر الإسلام والذين إستندوا إلى الأدلة الصحيحة في منع تولي المرأة لشؤون الولايات وعلى رأسها القضاء إلا الإمامان (الطبري) و(ابن حزم)، إثنان فقط من بين آلاف الفقهاء !!، وحجة الإثنين أنه لم يأت دليل صريح في عدم تولي المرأة للقضاء فيبقى الأمر على أصله وهو الإباحة، ورد الجمهور بأن الدليل قد جاء في الولايات، والقضاء على رأسها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" أخرجه البخاري، ولفظ (أمرهم) عام فيشمل كل أمر من أمور المسلمين العامة، ورأس الأمور هو القضاء، فدخوله فيها دخولاً أولياً كما قال الشوكاني، ولكذلك لأن شهادتها لا تقبل منفردة فكيف بقضائها، ولا تقبل شهادتها في الحدود فكيف يقبل قضاؤها فيه، ولا تملك أن تزوج أو تطلق نفسها، فكيف تبت في مثل هذا عند الآخرين !!، ولغلبة العاطفة على المرأة حتى أخبر الرسول" لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط "!! متفق عليه، فتلك التي لم تستطع أن تعدل مع زوجها الذي عاشت معه وأحسن إليها الدهر في لحظة غضب، كيف تؤمن أن تعدل مع خلق الله في الأحكام في لحظات مشابهة !!، وعلى هذا كان إجماع الفقهاء، وأقول إجماع لأن الطبري نفسه مذهبه أن خلاف العالم أو العالمين لا يخرق الإجماع، فإن خالف في مسألة فقهية عالم أوعالمين أو غير ذلك فمازال يعد إجماعاً، وعلى هذا لا يعد خلاف الطبري وابن حزم لغيرهم من الفقهاء خرقاً للإجماع عند الطبري نفسه. - كان قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة واضحة كالشمس في معارضة ما انتزعه اللوبي النسائي، فما الذي حدث، لم يتأخر الرد كثيراً، فما أن أذيع الخبر حتى فتحت النيران على المجلس وقضاته المحترمين من كل جانب، ومثل ضربة المدفعية التي مهدت لإقتحام قناة السويس إنطلقت آلاف الأقلام النسائية والموالية للوبي النسائي تصب جام غضبها على القضاة، هذا بخلاف البرامج الفضائية والندوات والتصريحات، والقاسم المشترك بينها أنها لا تناقش ولا تتساءل عن الأسباب والحجج، فلم يكن هذا يوماً من طباع اللوبي النسائي المصري الذي يفرض هواه فرضاً دون مناقشة، وإنما القاسم الأعظم في تلك المقالات والتصريحات والبرامج هو توبيخ القضاة وإلصاق الإلتهامات المذرية بهم وبقرارهم من عينة (ردة حضارية)، (عودة إلى الوراء)، (تضييع مكاسب المرأة)، (الإنتقاص من المرأة)، (عودة إلى عصر الظلام)، (قوى التخلف تعود)....إلخ، وتتكرر هذه الجمل في معظم تلك المقالات دون أي مناقشة فكرية أو شرعية، فكأنه بيان وزع وينشر هو ذاته تحت أسماء مختلفة لكتبة مختلفين، وتقرأ مقالات نارية لبعض (المفكرين) فلا تجد فيها فكراً وإنما تجميع لتلك الجمل المذكورة آنفاً، يكتبها أحدهم بترتيب معين ويعيد الآخر ترتيبها، وهكذا إمتلأت الصحف بمثل هذا الهدير !!، يتحدثون فيه عن القضاة المحترمين الذين إتخذوا هذا القرار وكأنهم صبية صغار أو أغمار أغرار، وفجاة أصبح قضاة مجلس الدولة المصري يسيطر الظلام والإستسلام لجمعات التأسلم السياسي على عقولهم !!، هذا غيض من فيض ما كتب ويكتب من كتاب و(مفكري) اللوبي النسائي، بل ويعطون القضاة دروساً في الدستور !!، وتنتشر في مقلاتهم الإشارة إلى المادة 40 من الدستور التي تشير إلى المساواة، كأن القضاة كانوا لا يعرفونها أو غافلين عنها !!، بل ووصلت جرأتهم إلى الإشارة إلى وجوب تطبيق المادة الثانية التي تنص على سيادة الشريعة، حيث أن المفتي قال تجوز !. - وآتت الحملة الإرهابية الفكرية ثمارها كالمعتاد، فأصدر المستشار محمد الحسيني رئيس مجلس الدولة قراره بتعيين القاضيات، قائلاً أن قرار الجمعية العمومية غير ملزم له، دون أن يكلف نفسه عناء الإعتذار للقضاة الذين ضرب عرض الحائط برأيهم ولو كان غير ملزم له، ودون أن يوضح مبررات تجاهله لرأي الأغلبية الساحقة، في مشهد متكرر يجسد طبيعة الديموقراطية المصرية، ويمثل العلاقة بين صاحب الكرسي وبين الأغلبية في مصر !!. - ومازال الشد والجذب مستمراً، وأغلب الظن أن اللوبي النسائي سينتصر بالترغيب والترهيب في هذه الجولة كما انتصر في سابقاتها، وسيظل في نصر وعلو حتى يقيض الله لهذا البلد أمر رشد يرفع فيه شان الحق ويوضع شأن الباطل. [email protected]