مرة أخرى أجدني مضطرا إلى العودة إلى قضية القمح الفاسد واللعب على المكشوف في هذا الملف ، والذي يتصل بأمن مصر في أعز ما تملك ، الإنسان ، ولعل التأمل في بعض وقائع هذا الملف يكشف لنا لماذا تمثل مصر أعلى نسب الإصابة بالأمراض السرطانية وأمراض الكبد تحديدا بين مواطنيها ، حتى أن الإصابات فيها أعلى منها في بلاد أفريقية أقل كثيرا في تطورها الاجتماعي والاقتصادي والطبي والوقائي من مصر ، الواقعة الجديدة واقعة فساد مثيرة لا يمكن تصديقها لولا أنها منشورة في الصحف الرسمية للدولة ، والقصة تقول أن هناك شحنة قمح تقدر بثمانية وثمانين طنا كانت موجودة في شونة القناطر الخيرية ، ثبت أنها فاسدة ولا تصلح للاستهلاك الأدمي ولا الحيواني ، وبعد أن تم ضبطها قررت النيابة العامة التحفظ عليها في الشونة ، ثم أصدر المحامي العام الأول لنيابات طنطا المستشار جلال عبد اللطيف قرارا بإعدام هذه الكمية خشية تسربها أو خلطها بكميات أخرى من القمح ، وعلى إثر ذلك تم تشكيل لجنة خاصة لإعدام هذه الكمية المتحفظ عليها ، وعندما ذهبت اللجنة مصحوبة بممثلي النيابة والشرطة لتنفيذ أمر إعدام الشحنة فوجئوا أن الموجود في الشونة عبارة عن أكوام تراب ، وأن شحنة القمح اختفت ، والأنكى من ذلك أن بعض "خربي الذمة" طلبوا من اللجنة أن توقع "على الورق" أنهم أعدموا شحنة القمح مقابل رشوة لم تعرف قيمتها ولا طبيعتها ، رغم أن الموجود هو تراب ، يضيف الخبر قوله : قدم أعضاء اللجنة شكوي رسمية للنيابة بشبرا الخيمة. أكدوا فيها أن المسئولين حاولوا تضليلهم ومساومتهم علي الاعدام علي الورق.. أمر اكرم عبدالمنعم وكيل النيابة بشبرا الخيمة بإشراف أسامة الحلواني رئيس النيابة. بسؤال أعضاء اللجنة واستدعاء مدير الشئون القانونية بالبنك لسؤاله وتكليف نيابة القناطر بمعاينة الشونة وتكليف المباحث بعمل التحريات حول ظروف وملابسات الواقعة كما كلفت النيابة الجهات الرقابية الإدارية بسرعة البحث عن شحنة القمح الفاسدة ، ويقول التقرير أيضا أن أجهزة الأمن في محافظة القليوبية تبذل جهودها للبحث عن شحنة القمح الفاسد وأين ذهبت ، وكيف تم تسريبها ، هذه هي القصة ، والحقيقة أن سرقة ما يقرب من مائة طن من القمح هي أشبه في عبثيتها وغرابتها بسرقة تمثال رمسيس من ميدان رمسيس أيام كان متبخترا فيه ، شيء لا يصدق ، فكيف إذا كانت المائة طن موضوعة تحت الحراسة وصادر بشأنها قرار بالتحفظ من النيابة العامة ، كيف خرجت ، وكيف حملت على عشرات الشاحنات ، لعل القارئ يذكر الواقعة المماثلة التي تحدثت عنها والتي وقعت في ميناء السويس عندما اختفت شحنات ضخمة من القمح الفاسد كان قد صدر أمر بالتحفظ عليها وإعدامها أو إعادتها ، وتسربت داخل البلاد ، ولم يعلن حتى الآن عن مصيرها ولا تم ضبطها ، الملف أغلق من جهة مجهولة ، هل يمكن أن نصدق أن مثل هذا المسلسل يقوم به "هواه" أو حتى مجرمون عاديون ، أم أنها مافيا حقيقية تملك الحماية والحصانة من الملاحقة ولا تعبأ بحكومة ولا داخلية ولا نيابة ولا قضاء ، فهي فوق كل ذلك وتتعامل باستهتار واحتقار لكل أجهزة الدولة ، من الذي يمكنه أن يمارس هذه العمليات المتكررة بهذه الجرأة وذلك الجبروت ، هل يحتاج الأمر إلى المفتش "كرومبو" مثلا ، والحقيقة أن "شخص" المجرم هنا ليس المهم ، لأن الأهم هو ما تمثله تلك الوقائع من خراب ذمم جماعية تخضع لنفوذ شخصيات نافذة في البلد ، وطالما أن جميع الوقائع فيها لم تتوصل إليه دائما ، فمن حق الرأي العام المصري أن يسرح بخاطره وخياله إلى أسماء عديدة من نجوم السياسة والسلطة . [email protected]