نموذج نوال السعداوي في مصر ، وأدونيس في سوريا، نماذج "مريحة" للأنظمة العربية عامة ، وللنظامين المصري والسوري خاصة ، وللمثقفين الكسالى الذين لا يريدون سداد فواتير "الإصلاح" والتصدي للإستبداد والطغيان والفساد. نوال في القاهرة مشغولة بمسألة نسبها : أيكون لأمها أم لأبيها ولم نقرأ لها كلمة واحدة عن "المعتقلين" الذين يقبعون في أقبية سجون ومعتقلات النظام منذ عشرات السنين بلا محاكمة ، وإذا كانت صادقة في "تنطيطها" بالدفاع عن "المرأة" المصرية المضهدة ، فلماذا لا تعض إلا لحم الرجل الزوج أو الأخ أو الأب والزميل في العمل ، فيما تخنس وتبلع لسانها وخلفه عشرات الأحذية ، إذا تعلق الأمر بزوجات وأمهات وبنات المعتقلين السياسيين ؟! أليسوا هؤلاء مصريات يفترض أن تدافع عنهن "نوال زينب" ؟! أنا على يقين أن "نوال بنت زينب" سعيدة بما يجري لأزواجهن في السجون من تنكيل و تعذيب يبلغ أحيانا مبلغ القتل .. ليس غيرة منهن لأنهن الأجمل والأحلى ، ولكن لأنها مصابة بمرض "كراهية الرجال " ! نوال باعترافها ، هي ، ولدت وعاشت في بيئة تكره "الأنثى" ، وكانت هذه البيئة هي اللبنات التي أسست تكوينها النفسي ، وشكل موقفا عدائيا من الرجال عموما . ولاعتقادها أن التقاليد والدين كذلك ينحازان للرجل ، ويرفعانه كما تعتقد "فوقها درجة" ، فإنها استبطنت كراهية مماثلة لهما ، يتجليان في تصرفاتها "الشعنونة" ليس فيما تكتب فقط وإنما في الاسترسال العفوي والذي يشبه جلسات العلاج في عيادات الطب النفسي وذلك في حواراتها وتصريحاتها في وسائل الإعلام المختلفة . هذا النموذج يعتبره النظام "مسليا" لا يمثل تهديدا للأمن السياسي ، ويتركه باعتباره مربعا تجري فيه المعارك بين الفرقاء يفرغون في ساحته شحنات الغضب بعيدا عن السياسة وشقيقاتها. إنها تشبه الفرق الصوفية التي تعتمد على تغييب الوعي عن الواقع باعتباره زهدا في الدنيا ، فإن نوال بنت زينب تشغل الرأي العام ب"كلام النسوان" من أولات العقد النفسية بعيدا عن الكلام في تزوير الانتخابات وضرب القضاة والتحرش الجنسي بالصحفيات وغرق العبارات واحتراق القطارات والمبيدات المسرطنة ونهب البلد وهروب الأموال خارجها والقائمة طويلة لا أتذكرها وأعتقد أن الأمر في سوريا لا يقل سوءا عما هو الحال عليه في القاهرة ، بل إن النظام السوري البعثي ارتكب أكبر جريمة حرب حقيقية ضد شعبه عندما أباد مدينتي حمص وحماه وقتل أكثر من 20 ألف سوري في جريمة لم يرتكب مثلها حتى الكيان الصهيوني في فلسطين ضد الشعب الفلسطيني ، وذلك غير عشرات الألاف من المعتقلين السياسيين والتعذيب وعمليات التصفية الجسدية التي ارتكبها النظام خارج القانون ضد معارضيه ، ومع ذلك لم نسمع من "داعية" الحرية أدونيس السوري أية كلمة تدين نظام الحكم في بلاده حتى إنه كان يمتنع عن التوقيع على عرائض المعارضة التي كانت تعرضها عليه وتطالب بالإفراج عن المثقفين السوريين المعتقلين في سجون النظام البعثي الفاشي بدمشق ! أدونيس مثله مثل نوال السعداوي كان مشغولا بتصفية حساباته مع "التاريخ" الذي شكل بالنسبة له عقدا نفسية تملكته على النحو الذي بات من الصعب عليه التحرر منها . فالرجل ولد وعاش في بيئة طائفية ظلت مهمشة طوال نظام الحكم الإسلامي السني للعالم الإسلامي ، فاستبطنت نفسه كراهية ممقوتة لأهل السنة ولإمامها إبن تيمية رحمه الله تعالى الذي كانت له فتاوى خاصة بالطائفة النصيرية التي ينتمي اليها أدونيس ، ورأى الأخير أنها الفتاوى التي حرمته وطائفته مما يعتبرها "حقوق مواطنة" ، وفي المقابل تحول ولائه إلى باريس التي يعتبرها "قوة تحرير" حررته من النظام الإسلامي السني ، وفرضت الأقلية النصيرية على الأغلبية السنية ، من خلال مشروع طائفي يشبه إلى حد كبير المشروع الأمريكي الحالي بالعراق. المتابع المنصف لكتابات أدونيس يلاحظ أن معركته الحقيقية ليست مع الاستبداد السياسي السائد الآن في العالم العربي وإنما مع التراث السلفي السني وإمامه الشيخ ابن تيمية رحمه الله . لماذا يكره أدونيس فكرة "الجماعة " أو "الأمة" وينحاز ويدافع باستماتة عن التشظي القومي والطائفي ؟! لماذا يكره السلف والسلفية ؟! ويعلى من شأن التصوف ويعتبره أكبر ثورة فكرية في التاريخ الإسلامي ؟! إنها مجرد "مفاتيح" قد تساعد في فهم أدونيس والذي لم يبن "مجده" إلا بجهل كل من حوله بالسلف والسلفية أو لميلهم إلى "ثقافة القعود" والمعايشة مع السلطان المستبد . [email protected]