يراهن الآن بعض الحالمين بحكم مصر على إشاعة أجواء الفوضى في البلاد على أمل أنها رابحة بالنسبة لهم في كل الحالات، فقد تختزل مدة الرئيس مرسي إلى عام أو عامين أو ثلاثة بدلًا من أربعة؛ المهم تقريب الانتخابات الرئاسية لعل وعسى.. ولو فشلت الفوضى في تحقيق ذلك فقد تنجح في إفشال الرئيس من جانبين: الأول تصويره أمام الشعب بالخائن الفاشل التابع لجماعته مما يجعل الشعب لا يتعاون في عمل من أجل الوطن خاصة أؤلئك الذين يعملون في الحكومة، فرواتبهم مضمونة وتأخرها عار على الدكتور مرسي وحكومته سواء عمل هؤلاء الموظفون أو لم يعملوا، سواء كانوا يستحقون هذه الرواتب أم لا. الجانب الآخر الإيجابي بالنسبة للراغبين في إثارة الفوضى هو إلهاء الرئيس وحكومته وجماعة الإخوان ومن يؤيدهم عن أي عمل إيجابي في صالح هذا الوطن مما يئول إلى إفشالهم أيضًا. في النهاية ينحصر الخيار في أمرين (إما أن نسقطه أو نعطله). وأنا أتوجه بالسؤال لأحد المعارضين الحالمين بالرئاسة وأقول له: إذا تم إسقاط الرئيس في 30 يونيو –طبعًا نجوم السما أقرب- ثم نجحت حضرتك في انتخابات الرئاسة، وواجهتك مشاكل التنمية في العام الأول، وهذا هو الواقع فلن تستطيع أن تحل جميع المشاكل في يوم وليلة.. هل تقبل أن ينظم الإسلاميون المظاهرات والحملات والتوقيعات لإسقاطك، أم ستود أن يتعاون الجميع معك من أجل الوطن؟ فلماذا لا تتعاون أنت الآن من أجل الوطن نفسه؟ إن تفرغ المعارضين الكامل لتعويق مسيرة الوطن وتفننهم في هذا أضر بهم قبل غيرهم ضررًا كبيرًا، فجعلهم كائنات معوِّقة لا تستطيع أن تتكلم أو تفكر في تنمية، وإنما في الإعاقة فقط؛ فقد شغلوا أنفسهم ودربوها جيدًا على الهدم لا البناء، وعلى السخرية من الآخرين وتصويرهم بالمقصرين، حتى إذا تعرض الوطن لكارثة أو ابتلاء تجد عبقريتهم تنحصر فقط في استغلال تلك الكارثة للترويج لمشروعهم الفوضي الهدام، بإلقاء اللوم على الرئيس وحكومته وجماعته، فإذا طلبت من أحدهم أن يدلوا بدلوه بحرف واحد في سبيل مواجهة الكارثة، سكت واجمًا مقتنعًا بأن دوره العبقري هو في النقد وما أسهله. أقول إن هؤلاء يسيئون في المقام الأول إلى أنفسهم، فقد اقتنعوا بوضعها في ركن مهمل لا يأتي منه أي خير، ولا حتى رأي سديد أو قول رشيد، فإذا تكلموا أتوا بالعجائب كالمطالبة بإقالة الوزير الأنجح باسم عودة، أو إقالة النائب العام المحترم الحالي، لا لشيء غير أن الذي عينه هو الرئيس مرسي؛ رغم أن تعيينه من قِبَل رئيس الجمهورية كان قانونيًا في حينه قبل أن يغير الدستور الجديد ذلك. وهم بهذه الطلبات لا يصدمون أحدًا، وإنما يؤكدون للجميع صدمة الشعب فيهم من البداية. تكلمت مع أحدهم فوجدته يوحي إليّ بأن مصر في مشكلة كبيرة وهي تحتاج إلى حل سريع، وحقيقة ظننته يقصد مشكلة السد الإثيوبي، ولكنني أردت أن أسمع منه ولا أعاجله فسألته: وما المشكلة.؟ قال: حكم الإخوان المسلمين. قلت له: وما المشكلة في حكمهم ألم يصلوا إليه عبر الانتخابات؟ قال: إنهم يختارون أتباعهم للمناصب المهمة. قلت له: وما المانع في ذلك؟ هل المطلوب أن يختاروا في تلك الأماكن من يحاربهم ويحرص على إفشالهم؟ إذا كان القانون يمنحهم حق الاختيار، فهم أحرار في اختيار من يرونه مناسبًا. فقال كلامًا كثيرًا أظنه من هذيان مثل: إنهم يبيعون قناة السويس لقطر! وإنهم يتعاونون مع الصهاينة والأمريكان ضد مصر! وإنهم مستبدون مجرمون لديهم ميليشيات لقتل الثوار الأبرياء.. وإنهم وإنهم. نظرت مبتسمًا إليه مشفقًا عليه؛ فقد تأكدت أني أمام حالة مرضية حقيقية. وعندما انتظرَ مني ردًّا قلت له: وما الحل؟ قال: سوف نذهب إلى قصر الاتحادية يوم 30 يونيو لعزل الرئيس مرسي بالعافية. فقلت له وأنا أكتم الضحك: وبعدين؟ يعني حضراتكم حتعينوا مين رئيسًا مكانه؟! قال: مش مهم ساعتها نبقى نشوف. انصرفت من أمامه وأنا أردد: إنما للفوضى حدود. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.