لا يمر عام دراسي إلا ونجد عشرات إن لم تكن مئات المدارس والجامعات الأجنبية تنشأ في مصر، وقد تناقضت الآراء حول أهمية هذا التعليم، فهناك من يعارضه بشدة ويراه رجسًا من عمل الشيطان، لأنه يمثل الوجه الآخر من التنصير والاستعمار الثقافي، وهناك من يراه ضرورة للحاق بركب التقدم العلمي ولا غنى عنه إذا أردنا التخلص من التخلف الذي تعيشه أمة، وهناك فريق ثالث يرى ضرورة وضع ضوابط له بدلًا من جعله بديلًا للتعليم الحكومي الذي لا يعاني كثيرًا من الأمراض، ولكنه ليست مستعصية على العلاج.. من هنا تأتي أهمية الحديث عن التعليم الأجنبي بما عليه وماله. المعلمون والتعليم الأجنبي المعلمون من جانبهم أكدوا أن التعليم الأجنبي هو ذريعة من ذرائع الاستعمار الأجنبي في مصر، وكانت البداية لهذا التعليم هو مدارس تبشيرية في مصر، فيقول محمد عبد العظيم، مدرس أول تاريخ بالثانوية العامة، إن المدارس الأجنبية ذريعة من ذرائع الاستعمار، وكانت في بدايتها مدارس إرسالية تبشيرية، حيث تم إنشاؤها بموجب الامتيازات الأجنبية في مصر أو في الدول العربية أيام سلطان الدولة العثمانية المنهك، وأن الحل يكمن في وجود مدارس حكومية على مستوى عالٍ وأن المدارس الأجنبية مثل الجزر المنعزلة لا يسيطر عليها أحد، وأن لها مطلق الحرية في اختيار الوسائل والمناهج دون الرجوع إلى الوزارة، مما يتسبب في خروج جيل عليل وفاسد. من ناحية أخرى أبدى سعيد عبد الجواد، مدرس لغة عربية بالمرحلة الثانوية، أسفه على اللغة العربية، وأن هناك تلاميذ في المرحلة الثانوية لا تعرف مبادئ النحو أو الصرف أو لا تعرف حتى معنى الكلمات العربية، وقال إن هذه كارثة ومعضلة كبيرة. وقال عبد الواجد محمود، مدرس اللغة العربية على المعاش، أين كان الوزير والوزارة عندما كان الطلبة يدخنون المواد الممنوعة في هذه المدارس؟ وإنني كنت أريد إدخال ابني في إحدى هذه المدارس، ولكن نظرًا لما رأيته من مهازل في التربية ومن سوء في الأخلاق عدلت عن رأيي، لأن المدارس الأجنبية عبارة عن "تجارة باسم التعليم". أولياء الأمور لكن أولياء الأمور كان لهم رأي آخر في دخول أبنائهم للمدارس الأجنبية في مصر وأنها مفيدة لهم في تعليم أبنائهم للغات الأجنبية فتقول إيمان سيد، طبيبة بمستشفى الدمرداش، أدخلت أولادي للمدارس العالمية من أجل اللغة، ولأن شهاداتها كانت معترفًا بها عالميًا، وأشعر أن أبنائي قد استفادوا من الدراسة، ولكن ليس بالمستوى المطلوب وأيضًا أشعر أنها دولية بالاسم فقط، حيث إن المدرسين ليسوا أكفاء وطرق التدريس ليست مُثلى حتى إن المنهج لا يدرس بالكامل وأهم سلبياتها انعدام الجانب الديني، مما يضطر الأهل للبحث عن معلمين من خارج المدرسة لتعليمهم الدين وهذا ما قمت به. ويقول مدحت الشاذلي، مهندس أعمال حرة، إنه من أهم ما يميز المدارس الدولية أنها تعلم الطلاب طريقة التفكير وتربيهم على التحليل لا الحفظ المجرد فطلاب بعض المدارس العربية لا يستطيعون الإجابة عن سؤال أجابوا عليه من قبل حتى لو أجريتَ عليه قليلًا من التحوير، ومن يعلموهم مع الأسف من نفس النمط كما أن المدارس العربية لا تربي الطالب على الولاء لدينه إنما تربيه على الولاء للبلد التي يدرس مناهجها. نشأة المدارس الأجنبية كانت أول شرارة قدحت في افتتاح المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين في (بيروت) بإنشاء مدرسة للبنات في الإمبراطورية العثمانية سنة 1830م، لأن البنات سيكنّ أمهات فإذا تربيتهن في هذه المدارس ذات الثقافة المختلفة قد يؤثّر ذلك على أولادهن، وفي مصر عام 1840م من خلال البعثات التنصيرية قام الآباء بتأسيس الكلية الفرنسية بالإسكندرية والجمعية الإنجيلية البروتستانتية، ثم تبعتها مدارس الآباء اليسوعيين عام 1880م مقدمة لاحتلال مصر عام 1882م وبلغ عدد مجموع الطلاب من المسلمين 7117 طالبًا مسلمًا حتى عام 1891م وكان انتشار المدارس الأجنبية فيها مكثفًا حتى أنها الآن تبلغ عشرات الآلاف من المدارس ويبلغ نسبة الدارسين فيها من المسلمين 52% من الطلاب بمصر. ويشير مؤرخو المدارس الأجنبية أن الجالية اليونانية كلما حلوا في بلد أنشئوا فيه كنيسة ومدرسة كما فعلوا في الإسكندرية عام 1843م ثم في المنصورة، وطنطا، وبورسعيد ، والسويس، والقاهرة وغيرها، ثم تطور بهم الحال إلى إنشاء الكليات للتعليم العالي، وكان أولاها في بيروت سنة 1862م التي تحولت فيما بعد باسم: (الكلية السورية الإنجيلية) ثم هي اليوم: (الجامعة الأمريكية في بيروت)، ثم في القاهرة الآن باسم الجامعة الأمريكية. خطورة التعليم الأجنبي حذرت دراسة مصرية أعدتها الباحثة الدكتورة بثينة عبد الرءوف، مدرس أصول التربية بمعهد البحوث والدراسات التربوية بجامعة القاهرة، في رسالتها العلمية لدرجة الدكتوراه بعنوان "التعليم الأجنبي وأثره على النسق القيمي للمجتمع المصري" إلى أن الاختلاف بين النظام التعليمي الأمريكي والإنجليزي والألماني من ناحية والتعليم المصري من حيث مرجعية الأهداف واختلاف النسق القيمي المصري والقيم السائدة للتعليم الأجنبي يؤدي إلى اختلاف الشخصية المتخرجة من النظامين. وأضافت الدراسة أن المدارس الأجنبية في مصر تعمل بشكل منفصل تمامًا عن المجتمع المصري، ولا تقع تحت طائلة أي قانون والإشراف الوحيد في المرحلة الثانوية، وهو مجرد إشراف صوري في حين أنها تخضع لهيئات أجنبية تطبق عليها مقاييسها وأهدافها، مما يمثل مظهرًا من مظاهر التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للدولة. وأظهرت الدراسة أن تقييم كتب المدارس الأجنبية في مصر من قبل إدارة المعادلات المصرية هو تقييم ذاتي، حيث لا توجد معايير أو مقاييس مكتوبة يمكن الرجوع إليها بل يعتمد الأمر في المقام الأول إلى ثقافة وضمير الخبير المصري المراجع للكتب، وأنه لا تتم أية متابعة من قبل وزارة التربية والتعليم لمدى التزام المدارس الأجنبية بما حذفته أو ما طلب من تغيير في تلك المدارس وأن مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول إلى الشهادة الإعدادية لا تخضع لأي إشراف وزاري أو إداري، كما أن مدير المدرسة الأجنبية أو مساعديه عادة ما يكونون من الأجانب حيث تتباهى هذه المدارس بأن الإدارة ومعظم المدرسين من الأجانب. وذكرت الدراسة أن الأطفال المصريين يصلون إلى هذه المدارس في مرحلة مبكرة لم يستطيعوا بعد أن يخضعوا لهوية آبائهم ومجتمعهم ويدخلون في منظومة المدرسة الأجنبية ليتعلموا معايير الدولة التي تنتمي إليه سواء أكان تعليمًا أمريكيًا أو إنجليزيًا أو ألمانيًا، مما يؤدي إلى حدوث صراع داخل الطفل لتشكيل الهوية ومع الوقت يرفض هؤلاء الأطفال ثقافة آباءهم ومجتمعهم ويعتنقون ثقافة المجتمع الذي تمثله المدرسة الأجنبية. سوق العمل الأجنبي وترى الدراسة أن المدارس الأمريكية والدولية تنمي في الطفل المصري أنماطًا اجتماعية تتميز بدرجة عالية من المرونة في أساليب التفكير والاتجاهات، مما يتلاءم مع متطلبات العمل في السوق في الدول الغربية، وليس في البلد الأم، وذلك بدلًا من إنتاج كفاءات تتواءم مع الاحتياجات والمواد المتاحة في المجتمع المصري. كما أن تبني الطفل للقيم الأمريكية أو الإنجليزية أو الألمانية يقلل من قدرته في المستقبل علي التفاعل مع أفراد مجتمعه، لأنه يفكر ويحلم ويعمل بطريقة مختلفة عنهم بل إن اختلاف نظم التعليم في المجتمع الواحد ما بين تعليم قومي وأجنبي (سواء أمريكي بريطاني فرنسي ألماني) يؤدي إلى ضعف التماسك بين أفراد المجتمع وعدم ارتباطهم، مما يؤدي إلى تفكك في النسيج الاجتماعي، وصراع بين أبناء المجتمع الواحد. المدارس الأمريكية وأشارت الدراسة إلى أنه من خلال تحليل مضمون بعض مناهج المدارس الأمريكية في مصر توصلت إلى نتائج خطيرة مفادها أن أهداف المناهج التي يدرسها الأطفال المصريون إما أهداف تنصيرية أو تحقيرية للعرب، كما جاء في إحدى القصص المقررة على تلاميذ المرحلة الابتدائية توضح أن الإبل تتفوق على العرب، وكيف أن قيادة الإبل للعرب أفضل من قيادة العرب لأنفسهم، لأن العرب إذا ساروا خلف الإبل سيصلون إلى نتائج أفضل من التي يخططون لها. وتسهم المناهج الأمريكية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تدعيم قيم الولاء للمجتمع الأمريكي، مما يضعف الانتماء إلى المجتمع المصري وخلق جيل جديد من الشباب يعيش حالة من الضياع الثقافي، فهم لا ينتمون إلى أمريكا التي يشربوها في تعليمهم، وفي الوقت نفسه ليسوا قادرين على استيعاب الثقافة العربية الإسلامية لبلدهم، مما يزيد لديهم الشعور بالاغتراب عن بيتهم والرغبة في الهجرة إلى مجتمعات أخرى أو الشعور بالإحباط لعدم القدرة على تغيير ما حولهم أو عدم القدرة على التكيف مع مجتمعهم، وهذا ينطبق على خريجي جميع المدارس الأجنبية سواء (أمريكية بريطانية ألمانية كندية). وتوضح الدراسة أن الدراسة في هذه المدارس مع ارتفاع مصروفاتها تسمح لأبناء طبقة محددة من المجتمع المصري للالتحاق بها، وهي طبقة رجال الأعمال والساسة وكبار المسئولين في السلطة، وتمثل هذه الفئات الطبقة العليا في المجتمع، ونظرًا لطبيعة المجتمع المصري في توارث وتبادل المراكز القيادية في جميع المجالات بين أفراد العائلة الواحدة والصحبة، فإن أبناء هذه الطبقة من المفترض أن يكونوا قادة المستقبل باعتبارهم الصفوة المسيطرة على الأمور السياسية والاقتصادية، مما يؤدي إلى تكريس التبعية في ظل التغيرات العالمية وشعار العولمة الذي يكرس الهيمنة الأمريكية على المنطقة.