عدت من ألمانيا منذ أيام قلائل بعد مشاركتي مع عدد من الشخصيات المصرية المسلمة والمسيحية في جولة حوار مصري ألماني شعبي، هي الجولة الخامسة من هذا النوع من الحوارات التي تعقد مرة في مصر ومرة في ألمانيا.. وبالرغم من أن عنوان هذه الجولة من الحوار هو: "الصحوة الدينية وتأثيرها على التعددية والديمقراطية".. إلا أن موضوع إدماج المسلمين في المجتمع الألماني كان هو الهاجس الأكبر للألمان طوال هذه الجولة التي عقدت في مدينة "لوكوم" بهانوفر لمدة ثلاثة أيام، ثم في حوارات الوفد المصري في العاصمة الألمانية برلين مع عدد من المسئولين الألمان في الحكومة والبرلمان. وقد ذكر كثير من المتحدثين الألمان معلومات إحصائية عن وضع الديانات في ألمانيا، منها أن عدد السكان الألمان حاليا بعد الوحدة حوالي 80 مليون نسمة منهم 26 مليون بروتستانت، و27 مليون كاثوليك، وحوالي 100 ألف يهودي، و3.5 مليون مسلم.. وأن الديانات المعترف بها رسميًا، هي البروتستانتية والكاثوليكية واليهودية. وهي التي لها حقوق في المجتمع، مثل حق تعليم الديانة في المدارس الألمانية على حساب الحكومة وغيرها الكثير من الحقوق الهامة.. وحينما سألناهم كيف تعترفون بديانة عدد المنتمين إليها هو 100 ألف نسمة وهي اليهودية، في حين يبلغ المسلمون(حسب إحصائياتكم) أكثر من 3 ملايين نسمة، ولم يعترف بهم حتى الآن ، ذكروا أن السبب هو عدم توحيد المسلمين في مجلس واحد يتحدث باسمهم ويحدد المناهج التي تدرس في المدارس وغيرها من الحقوق.. فقلت لهم نحن نشعر أن النخبة السياسية الألمانية غير جادة في عملية الدمج بدليل أن الحكومة الألمانية السابقة، وهي حكومة كانت مكونة من الحزب الاشتراكي وحزب الخضر دعت وفدًا مصريًا من سبعة أشخاص عام 2003 وكان على رأس هذا الوفد فضيلة المفتي السابق ورئيس جامعة الأزهر الحالي د. أحمد الطيب، والأستاذ فهمي هويدي، ود.عبد المعطي بيومي، ود. حسن حنفي، ود. محمد مرسي، ونبيل عبد الفتاح، وكاتب هذه السطور.. وكانت الزيارة لمدة أسبوع تقابلنا فيها مع مسئولين من وزارة الخارجية ووزارة الداخلية وعدد من لجان البرلمان الألماني وقيادات الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية ومراكز أبحاث ووسائل إعلام ورؤساء بلديات واتحاد المسلمين الأتراك وغيرهم. وقد تمت مناقشة وبحث جميع الموضوعات، وسمعوا منا وسمعنا منهم وخرجنا بتوصيات واقتراحات عملية لإتمام عملية الدمج، ولم تتم خطوة واحدة في هذا الاتجاه حتى تمت الانتخابات الألمانية الأخيرة وتغيرت الحكومة إلى حكومة يرأسها الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه المستشارة الحالية ميركل. مما يشير إلى أن تلكؤ الحكومة الألمانية له دور في تأخير هذا البرنامج، بالرغم من إدراكنا بالمشاكل الحقيقية والخلافات الموجودة بين المسلمين وخاصة أن أغلبية المسلمين في ألمانيا هم من أصل تركي (أكثر من 2 مليون). حين ذكرت ذلك للمشاركين الألمان في الحوارات سواء في هانوفر أو برلين، ردوا بأننا لا نستطيع أن نجمع المسلمين وتوحدهم في تشكيل واحد يتحدث باسمهم. ولمّا ذكرت لهم ما قام به وزير الداخلية الفرنسي ساراكوزي حينما ركز جهوده مع التكتلات المسلمة في فرنسا في توحيدها في اتحاد مسلمي فرنسا، كان ردهم غير مقنع بالنسبة لي شخصيًا على الأقل. وفي نهاية الرحلة أمضيت أكثر من نصف يوم مع أصدقاء مصريين مقيمين هناك.. منهم من يقيم إقامة دائمة ومنهم من يدرس الدكتوراه ومنهم من يعمل بالصحافة والإعلام.. وطرحت عليهم الموضوع نفسه عن قضية الدمج وماذا دار في الحوار مع الجانب الألماني، وهل كان تحليلي صحيحا في أن الألمان متلكئون في هذا الموضوع.. أم أن المشكلة فعلا في التجمعات الإسلامية المتفرقة؟.. الردود كانت متباينة .. فمنهم من أيد هذه المقولة، ومنهم من رأى أن المشكلة فعلا في المسلمين الذين لا يقدمون سلوكا شفافا في تصرفاتهم ولم يستطيعوا أن يوحدوا كلمتهم. ويظل الموضوع الأهم والحاسم في هذا الأمر لرموز المسلمين وخاصة المعتدلين منهم في أن يأخذوا المبادرة لتجميع المسلمين من المذاهب المختلفة في اتحاد واحد، وبالطبع ستكون الأغلبية للأتراك بحسب التوزيع العددي لهم حتى يستطيعوا أن يبدأو الخطوة الأولى للاعتراف بهم وأخذ حقوقهم والسعي للدمج في المجتمع الألماني مع الاحتفاظ بهويتهم الثقافية والدينية وحريتهم في الاعتقاد والممارسات والشعائر حسب نصوص الدستور الألماني نفسه الذي تواجه معوقات في تطبيقها منها ما هو في الجانب الألماني ومنها ما هو في الجانب المسلم. e.mail: [email protected]