نفى مكتب النائب العام أن تكون النيابة العامة هي من طلبت وضع اسم الدكتور ياسر برهامي على قوائم ترقب الوصول في المطارات، وكذلك نفت المخابرات وكذلك نفت وزارة الداخلية بشكل قاطع أن تكون قد وضعته على تلك القائمة، فمن الذي وضع القيادي الإسلامي الكبير على تلك القائمة وعرّضه للإهانة والإذلال الذي يعرفه كل من تعرض لمثل هذه الممارسات في المطارات المصرية أيام نظام المخلوع، أن يتم سحب الجواز ويطلب من المواطن أن "يركن على جنب"، حيث يتم اعتقاله أو احتجازه لعدة ساعات، لحين مراجعة جهات مختصة طلبت توقيفه ومراقبته في الخروج والدخول إلى البلاد، من الذي تعمد إهانة ياسر برهامي في مطار برج العرب بالإسكندرية وكأنه شخص مجهول ومغمور وقع تشابه أسماء بينه وبين آخرين من المجرمين وتجار المخدرات والإرهابيين المطلوبين للعدالة؟! أعتقد أن المسألة لا تحتاج إلى عبقرية خاصة أو المفتش كرومبو لكي يعرف الجهة التي تعمدت إرسال "رسالة" للشخصية الأكثر حضورًا في التيار السلفي المصري على المستوى السياسي والذي يقابل بالنسبة لحزب النور المهندس خيرت الشاطر بالنسبة لحزب الحرية والعدالة، هذا القيادي البارز الذي هو بكل المقاييس أحد أبرز الشخصيات العامة في مصر الآن، بوصفه يمثل المحضن الديني والاجتماعي الدعوة السلفية لثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان المصري، وأخطر شخصية تهدد نفوذ الإخوان السياسي والبرلماني في المرحلة الحالية والمقبلة، هذا القيادي البارز وصلته الرسالة بوضوح، ولكنها مع الأسف كانت استمرارًا للرسائل الخاطئة التي أرسلتها "الجماعة" إلى خصومها السياسيين، مثل الرسائل الأخرى التي أرسلت إلى نشطاء وقيادات حزبية في عدد من أحزاب المعارضة، وبعضهم أيضًا يا للمفارقة تم توقيفهم في المطار لتشابه الأسماء أيضًا، وهو ما يعني أن "كومبيوتر" داخلية الإخوان "بيلطش" في خلق الله حسب الهوى والمزاج، وأقسم بالله غير حانث، أن ما حدث مع برهامي أو مع غيره لم يمثل لي أي مفاجأة في جوهره، أو في توقع حدوثه، ولكن المفاجأة فقط كانت في سرعة وصول تلك الرسائل واستعجال من أرسلوها، كنت أتوقع أنهم أكثر ضبطًا لأعصابهم وقسوتهم في التعامل مع المخالفين الآن، لكني كنت أعرف وأتوقع جيدًا نتائج مسارات الديكتاتورية والقمع، سواء كان المستبد الذي يمارسها بعمامة دينية أو بقبعة حداثية، وأعرف أن التنكيل بالخصوم إذا استتب لهم الأمر سيكون أكثر وحشية من النظام السابق، وأذكر أني كتبت عن ذلك سابقًا في هذه الزاوية، وأكاد أراه رأي العين واليقين من قراءة التاريخ القريب وقراءة سلوكيات الجماعة وخطابها مع المخالف وردود أفعال كوادرها العفوية التي تكشف عن رغبة عارمة في سحق أي عائق ضد مسار الجماعة وتأديب أي مخالف لتوجهاتها وتدمير أي قوة تمنعها من تحقيق مشروعها السياسي، حيث لا يفاجئك الحديث عن إمكانية استباحة أي شيء أو قانون أو مبادئ أو أخلاق في سبيل تمهيد الطريق أمام السيطرة وتحقيق الطموح، وبطبيعة الحال هو لا يحدثك عن طموح الجماعة ومشروعها، ولكنه يحدثك عن طموح الوطن ومشروع الثورة، لأنه كما كل المستبدين اختزل الوطن في حزبه واختزل مصلحة الوطن في مصلحة جماعته واختزل الثورة في مشروعه، فكلهم شيء واحد، وكل ما عداهم هم أعداء الإصلاح وأعداء النهضة وأعداء الوطن وأعداء الثورة. دائمًا كنت أقول إن استعجال الجماعة للهيمنة والسيطرة بتجاوز كل الأطر الأخلاقية والشرعية أو استعجالها استعمال أي ذراع مشروع سيطرت عليه بعد الثورة من أجل بسط سيطرتها على كل شيء بمنتهى التعسف والعنف في استعمال أدوات الدولة، كنت أقول إن هذا الاندفاع إيجابي للتطور الديمقراطي في مصر، لأنه كاشف مبكرًا جدًا للمخاطر التي كان يمكن إخفاؤها سنوات ثم نكتشفها بعد فوات الأوان، الآن الصورة تتضح أكثر، والحذر فرض نفسه على الجميع أكثر، والاحتشاد ضد مشروع الهيمنة والاستبداد الجديد أصبح يتبلور أكثر، لذلك أقول: لا تحسبوه شرًا لكم، بل هو خير إن شاء الله، ولم يسؤني فيما حدث لبرهامي سوى صمت بعض الأحزاب الإسلامية السخية جدًا في بياناتها اليومية وكأنها تبارك الإهانة التي حدثت لرمز إسلامي كبير تختلف معه، أو صمت هيئات شرعية زعمت أنها أنشئت للحقوق والإصلاح، لقد بدا واضحًا أن البعض منّا ما زال غير جادٍ في إيمانه بحاجة الوطن الملحة لصناعة دولة حديثة ترعى الحريات وتحمي كرامة الإنسان، بغض النظر عن اختلافه أو اتفاقه مع السلطة، وأن البعض منّا يتصور أن الممارسة السياسية يمكن أن تفلح وهي تدار من "ثقب" الخصومات الصغيرة أو شخصنة الخلاف السياسي، وأرجو وأتمنى وأسأل الله أن لا يأتي على هؤلاء اليوم الذي يصرخون فيه من ألم الاستبداد والقهر فلا يغيثهم أحد، ويدركون حينها أنهم أُكلوا يوم أن صموا آذانهم عن آلام الآخرين وحقوقهم وكرامتهم المستباحة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.