يبدو أن المؤامرة الصهيونية الهادفة لتمزيق السودان لن تقف عند حدود معينة, حيث اتهمت الخرطوم فصيلا منشقا من حركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور المضطرب غربي البلاد بقتل محمد بشر أحمد رئيس الحركة الموقعة على اتفاق الدوحة في إبريل الماضي. وكان جهاز الأمن والمخابرات السوداني قال في بيان له في وقت سابق إن رئيس حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور محمد بشر أحمد كان وصل العاصمة التشادية إنجمينا في 12 مايو قادما من العاصمة القطرية الدوحة، قبل أن يتوجه من مدينة أبشى التشادية إلى مواقع الحركة بشمال دارفور, إلا أنه تعرض لهجوم من طرف قوات أحد المنشقين عن الحركة جبريل إبراهيم, ما أدى إلى مقتل محمد بشر أحمد وعدد من مرافقيه. وجاء الهجوم بعد أن وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في 6 إبريل الماضي اتفاقا للسلام في العاصمة القطرية الدوحة ضمن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور. ووقع عن الحكومة السودانية رئيس الوفد التفاوضي أمين حسن عمر، وعن حركة العدل والمساواة قائدها محمد بشر أحمد بحضور علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. وبموجب الاتفاق, تشارك الحركة في مختلف مستويات الحكم في السودان، ضمن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور, التي تشكلت بمقتضاها السلطة الانتقالية الحالية للإقليم والمنخرطة في الحكومة السودانية. وكانت وثيقة الدوحة التي وقعت في 2011 بين الخرطوم وحركة التحرير والعدالة المتمردة في دارفور تركت الباب مفتوحا لتنضم إليها كل الحركات المتمردة الأخرى. ووقعت الخرطوم وحركة التحرير والعدالة في يوليو 2011 وثيقة الدوحة للسلام في دارفور, التي تنظم اقتسام السلطة والثروة وحقوق الإنسان واللجوء والنزوح والتعويضات ووضع الإقليم الإداري والعدالة والمصالحات. ورفضت العدل والمساواة, التي انسحبت حينها من المفاوضات, هذه الوثيقة ووصفتها بأنها جزئية ولا تعبر عن إرادة أهل دارفور, وهناك أيضا حركات متمردة أخرى خارج الاتفاقية، بينها حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور. يشار إلى أن الصراع في دارفور اندلع منذ 2003 عندما تمردت قبائل غير عربية اتهمت الحكومة السودانية بإهمال المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية. وبينما تقدر منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة بأن مئات الآلاف قتلوا في هذا الصراع، تتحدث الحكومة السودانية عن عشرة آلاف قتيل, وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية قبل عامين مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وهي تهم تنفيها الخرطوم, وترفض الاعتراف بالمحكمة. ورغم تراجع مستويات العنف في الإقليم المضطرب منذ توقيع وثيقة الدوحة في 2011 , إلا أنه زاد القتال بدرجة كبيرة بين الجيش السوداني وبعض الحركات المتمردة من جهة, وبين القبائل المتنافسة بعضها البعض من جهة أخرى, في أعقاب تحسن العلاقات نسبيا بين الخرطوم وجوبا في الأسابيع الأخيرة, وهو ما فسره كثيرون بالمؤامرة الصهيونية التي لم تتوقف يوما عن فعل ما من شأنه تمزيق السودان, حيث توجد "500" منظمة يهودية في الولاياتالمتحدة تعمل على تأجيج قضية دارفور وتسوق لها عبر استقطاب السودانيين من أبناء دارفور إلى إسرائيل بما فيهم عبد الواحد نور رئيس حركة تحرير السودان لاستخدامهم لأغراض سياسية تتعلق بإشعال الأوضاع في السودان. ورغم أن حركتا العدل والمساواة, وجيش تحرير السودان, بررتا تمردهما ضد الحكومة السودانية منذ عام 2003 بتهميش إقليم دارفور وعدم الاهتمام بتطويره, إلا أن اهتمام الغرب والصهيونية العالمية بإقليم دارفور والمسارعة لتدويل القضية أثار علامات استفهام كثيرة, خاصة أن الخرطوم سعت مرارا لاحتواء التمرد, كما أن كافة القبائل فيه سواء العربية أو ذات الأصول الإفريقية, هي مسلمة. ويبدو أن الأمر غير بعيد عن التقارير المتزايدة حول أن منطقة دارفور تخزن تحتها أعلى احتياطي نفط في العالم وربما يتفوق على الاحتياطي السعودي, كما أنها تعتبر أغني ثالث حقل في العالم باليورانيوم الطبيعي, وتعتبر رابع أكبر مخزون للنحاس في العالم. ولعل إلقاء نظرة على إقليم دارفور تكشف أيضا سهوله اختراقه إسرائيليا, حيث تبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، وينقسم إداريا إلى ثلاث مناطق هي شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، وغرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة. ونظرا لحدوده المفتوحة ومساحته الشاسعة ووجود قبائل عديدة لها امتدادات داخل دول إفريقية أخرى، يمثل الإقليم منطقة صراع مستمر تأثرت بالصراعيْن التشادي الداخلي والتشادي الليبي وبالصراعات الداخلية لإفريقيا الوسطى، فراجت فيه تجارة السلاح، كما تفاعلت قبائله مع تلك الأزمات. وداخليا، شهد الإقليم أيضا صراعات بين الرعاة والمزارعين كانت تغذيها الانتماءات القبلية لكل طرف، فالتركيبة القبلية والنزاع على الأراضي والمياه كانت وراء أغلب النزاعات، وغالبا ما يتم احتواؤها وتسويتها من خلال النظم والأعراف القبلية السائدة، لكن المشكلة الأبرز ظلت تقاسم السلطة والثروة. ففي عام 2003 , أصدر بعض أبناء دارفور ما عُرف باسم "الكتاب الأسود" الذي شرح وجهة نظرهم حول مظلمة تقاسم السلطة والثروة طيلة فترات ما بعد الاستقلال عام 1956. ووفق هذا الكتاب كانت نسبة تمثيل سكان دارفور في مواقع الحكومة تساوي "صفر"، رغم أن الإقليم يمثل أكثر من ربع سكان السودان، الأمر الذي استمر مع تعاقب الحكومات وشكل سببا رئيسا لظهور التمرد, حيث شكل غياب التوزيع العادل للسلطة والثروة حجة أساسية لظهور وتوالي حركات التمرد المسلح في دارفور، وكان أولها حركة "سوني" عام 1965 التي أخمدت مباشرة، لتتوالى بعدها حركات التمرد المسلح, فيما تؤكد الخرطوم أن ما يحدث في دارفور هو صراع على الموارد أو صراعات قبيلة تغذيها تدخلال إقليمية ودولية, حيث استقوت بعض حركات التمرد في دارفور بالدول المجاورة مثل ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، وأوغندا، ومؤخرا دولة جنوب السودان الوليدة. وأدت الهجمات المتبادلة بين الحكومة السودانية وحركات التمرد إلى نشوء معسكرات ومناطق لجوء ضمت مئات الآلاف، ما أنتج مشكلة ضخمة جديدة للإقليم المتخم أصلا بالأزمات, وبعد سنوات من الحرب والاتفاقات، ظلت التنمية معطلة, وهو ما تستغله إسرائيل لإشعال الأوضاع في السودان أكثر وأكثر.