" تَمَرَّدَ الجُنْدُ في الْمُعَسْكَرِ على أَوامِرِ الضُّبَّاطِ": أَعْلَنُوا العِصْيانَ والثَّوْرَةَ. وفي علم الاجتماع تمرد تعني الخروج على نواميس المجتمع وقوانين النظام العام، وعدم الاعتراف بسلطان أيّة سلطة.
إذًا التمرد الذي تنادي به بعض القوى السياسية باب آخر للدعوة للعصيان المدني، وما يتتبعه من الخروج علي الحاكم وعدم إطاعة الأوامر والأحكام، كما أنه يشيع في الأجواء حالة من الانقسام المجتمعي ويعطي الضوء الأخضر لجماعات التطرف الفكري والخصوم في الرأي بيئة مناسبة لنشر الفوضى.
من هنا سأتوقف عند ثلاث نقاط بالتحليل والتفسير في موضوع الدعوة للتمرد: النقطة الأولى التوقيت أتصور أن توقيت الحملة لا يخلو من الخبث والدهاء فحينما نرى شتاءً ينتهي بلا طوابير لأسطوانات الغاز التي كانت لا تنتهي من قبل وحل مشكلة رغيف الخبز التي كانت إحدى المعضلات المستعصية عن الحل لسنوات طويلة، والتي عجزت حكومات عديدة إيجاد حلًا لها بالإضافة إلى انتهاء موسم حصاد يبشر ببداية هطول موسم الخير والصعود لأول درجات سلم الاكتفاء الذاتي من القمح ناهيك عن طائرة الرئاسة التي تحط بين الحين والآخر في محطات هنا وهنا لإعادة وترميم جسور لعلاقات قد تقطعت زمنًا طويلًا، وما يصاحبها من عقد اتفاقيات متعددة لانتشال الاقتصاد المصري مما كان يراد له من مكائد، كما تسعى الزيارات لنقل خبرات شعوب لها تجارب اقتصادية ناجحة، ثم كانت القشة التي قسمت ظهر البعير حينما أعلنها صراحة الفريق السيسي، وزير الدفاع، أن الجيش لن يعود مرة أخرى للسياسة وسيتفرغ فقط لدورة المنوط به في الدستور الجديد، وما ارتضاه له الشعب من مهام هنا فقط أيقنت القوي المناوئة للسلطة إن التعويل على الجيش باء بالفشل الذريع، وأن كل المعارك السابقة من السولار والدولار ونشر الفوضى والإشاعات باءت جميعها بالفشل إذًا كل هذه المعطيات تؤكد أن القوى المناوئة رأت أنه لا سبيل إلا للعودة إلى إلقاء قنابل الدخان لينتشر الضباب فلا يستطيع من في السلطة المضي في أهدافه التي رسمها لنفسه.
النقطة الثانية الممولون، فمن الأشياء المريبة أن الحملة بدأت بشباب لا ينتمون لأي أحزاب سياسية وليس لديهم أي قواعد في الشارع ولكن سرعان ما رأينا الأحزاب المعارضة تتلقف الفكرة تنخرط فيها، وتفتح لهم أبوابها وكان بينهما اتفاق غير معلن وحينما نرى شبابًا يتفرغ وبأعداد كبيرة لتوزيع المنشورات (لا أعلم تحديدًا كم تكلف طباعتها أو صياغتها) وشرح الفكرة والدعوة إليها ولقاءات ترعاها صحف كبرى وقنوات فضائية تفسح وتمنح وقتًا طويلًا لأعضاء الدعوة للإعلان عنها كي تصل الرسالة إلى أكبر عدد من المشاهدين هنا يحق لنا أن نتساءل من وراء هذه الحملة الكبيرة ومن ينظمها ومن يمولها؟
أما النقطة الثالثة إذا كانت لديهم الثقة والقدرة على تحقيق ما دعت إليه حملتهم من جمع 15 مليون دعوة للتمرد فأتصور أنه كان من الأجدر أن تتجه كل هذه الأموال والجهود للمحكمة العليا (الشعب) ثم يسلكوا الآليات الديمقراطية التي يتشدقون بها وصدعوا رؤوسنا بالحديث عنها ويحتكموا إلى الصناديق، وحينما يتمكنوا من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان سيصبح من حقهم تشكيل حكومة يستطيعون من خلالها وبصلاحيات الدستور الجديد إيقاف ما يروه عبثًا من الرئيس وجماعته كما يتوهمون وهذا هو المسلك المنطقي للآليات أي عملية تحول ديمقراطي يراد لها إن تنضج وتنمو في جو طبيعي.
أخيرًا منذ أيام قليلة شاهدتُ صورتان متناقضتان تظهر وبدلالة واضحة الفرق بين الرئيس ومعارضيه ففي الأولى الرئيس والحكومة يحتفلان بموسم حصاد القمح لأول مرة في دلالة واضحة تؤكد أنهما ماضيان في البذر والحصاد والثانية رأيت أيادي مرتعشة توقع على وثيقة تدعو للتمرد، هنا يظهر الفرق بين أيادي تمتد لتعمر وأخرى تمتد لتخرب.