مصر اليوم.. تعيش أزمة تتعلق ب"كبريائها الوطني".. وهي تختلف جذريًا، عن غيرها من الأزمات الداخلية الأخيرة، والتي أدت إلى تصاعد العنف البدني في الشارع واللفظي في الإعلام بين الرئاسة والإخوان من جهة، والمعارضة المدنية من جهة أخرى. ويبدو لي أن الجانبين يعلمان جيدًا، أن مصر هذه الأيام بعد اختطاف جنودها في سيناء تمر بواحدة من أصعب "المحن الوطنية"، غير أنهما لا يريدان النزول عند استحقاقات اللحظة، مع تنامي نزعة اللدد في الخصومة، والغلو والتطرف في التعاطي مع الملفات العالقة. المعارضة لا تريد الخروج من المحنة، لأنها جاءتها على "الطبطاب".. وتغرق البيئة الإعلامية بخطاب يستهدف إرباك صانع القرار، وتوريطه في "مغامرة أمنية" غير مأمونة العواقب.. ثم توظيفها لاحقًا في التنكيل بالرئيس وبجماعته وحزبه السياسي. كان الزميل الأستاذ أيمن الصياد، صادقًا حين قال إنه من الواجب الوطني أن نتعاطى مع الأزمة بعيدًا عن ثنائية "الجيش والإخوان".. لأن البعض، ما انفك يبحث عمن يخوض معاركه مع الجماعة بالوكالة.. ليس مهمًا ما إذا كان الجيش المصري أو الجيش الأمريكي. صحيح أن المؤسسة العسكرية، مازالت هي مناط أمل المعارضة وقطاع كبير من الرأي العام الساخط على الأداء الرسمي السيئ، إلا أن الجيش الآن مشغول في استرداد كبريائه العسكري المجروح، ولا ينفعه استخدامه في تصفية الحسابات السياسية الداخلية، وإنما اصطفاف وتعاطف الرأي العام معه ومساندته في مهمته الصعبة فعلًا. فشل أية عملية أمنية لتحرير الرهائن العسكريين في سيناء، لن يسدد فاتورته الرئيس مرسي وجماعة الإخوان بذات القدر من الخسارة التي ستلحق بالمؤسسات التي مازالت عصية على هيمنة الحزب الحاكم.. وهزيمتها سيضعف من قدرتها كأداة ردع ضد الانحراف بالسلطة لصالح حسابات تنظيمية ضيقة. الانتصار في معركة تحرير الرهائن، تعتقد المعارضة بأنه انتصار للرئيس الذي لا يحبونه.. وهو فعلًا ربما يحسن نسبيًا من صورته أمام شعبه.. إلا أن المكسب الأكبر سيكون للمؤسسة العسكرية، في وقت بات الجميع يحتاجها فعلًا سواء السلطة بوصفها حامية ل"الشرعية" التي جاءت بالانتخابات.. أو المعارضة بوصف المؤسسة هي الملاذ الأخير لردع أية محاولة ل"خومنة" المؤسسات على الطريقة الإيرانية. النجاح في تحرير الجنود المختطفين إذن هو مكسب وطني كبير، ولعل أهم مكاسبه هو الحفاظ على منزلة وهيبة القوات المسلحة في الضمير الوطني خلال فترة التحول القلقة والهشة إلى الديمقراطية من جهة.. وأمام قوى إقليمية مازالت تعتبر الجيش المصري، هو أكبر عقبة أمام مشروعها التوسعي والإمبراطوري من جهة أخرى. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.