يري معهد بروكنجز – الأمريكي – أنَّه يمكن لمصر أنْ تتجاوز المرحلة الانتقالية بسلام، وأنَّ تجعل الإصلاحات الاقتصادية التي تسعي لتنفيذها تحظي بالقبول الشعبى؛ في حال نجحت المعارضة في التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا السياسية العالقة؛ حتى يمكنها تقبل فكرة برنامج الإصلاح الاقتصادي. ويتساءل حافظ غانم، الزميل البارز والمتخصص في دراسة أثر التحول السياسي على التنمية الاقتصادية العربية – عما إذا كانت المعارضة المصرية التي انقسمت إلى ليبراليين وناصريين وسلفيين قد بلغت من النضج السياسي الذي يمكنها من تقديم تلك التنازلات والتوصل إلى توافق بشأن القضايا السياسية العالقة مثل قانون الانتخابات، والدستور، وإصلاح القضاء. ويستبعد غانم في مقاله الذي جاء بعنوان "هل يمكن إنقاذ الاقتصاد المصري وأن تمر المرحلة الانتقالية بسلام؟" حدوث أي انهيار مفاجئ للاقتصاد المصري؛ بالرغم من عدم وجود برنامج استقرار اقتصادي كلي جاد؛ إلا أنه يرى أن الوضع الاقتصادي سيتهور تدريجيًا؛ نظراً لا انخفاض النمو وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتفشي الفساد. ويرى أنَّ عملية الانتقال الديمقراطي ستكون معرضة للخطر إذا ما استمر تدهور الاقتصاد وزاد الفساد، لافتاً إلى أن الكثير من المصريين قد أصابهم الضيق لارتفاع الأسعار، ونقص بعض احتياجاتهم الأساسية لعجز الدولة عن استيرادها. ويأمل غانم أن يحذو السياسيون المصريون حذو نظرائهم الإيطاليين الذين نجحوا في التوصل إلى اتفاق مؤخراً بشأن تشكيل حكومة ائتلافية، موضحًا أن السياسات المصرية باتت مستقطبة للغاية لدرجة يصبح معها من الصعوبة بمكان رؤية كيفية تنفيذ إصلاحات اقتصادية جادة دون التوصل أولاً إلى تسويات فيما يتعلق ببعض القضايا السياسية الشائكة. وأوضح أنَّ هناك مؤشرات على وجود خطر بات يهدد عملية التحول الديمقراطي، فيمكن الآن سماع الشكاوى بصوت عال في جميع أنحاء مصر لدرجة دفعت البعض للجوء إلى الحكم الديكتاتوري مجدداً، بينما طالب البعض الآخر بعودة الجيش إلى سُدة الحكم، مشيرًا َإلى أنَّ 70 % من المصريين يُحزنهم الطريقة التي يتحرك بها الاقتصاد، و33 % يشعرون بالحاجة إلى قائد قوي قادر على حل مشكلات البلد، بينما يعتقد 49 % من عينة الاستطلاع الذي أجراه مركز "بيو" للأبحاث بأنَّ الاقتصاد القوي أكثر أهمية من الديمقراطية، ويرجح زيادة عدد الناس الذي أصبتهم خيبة أمل تجاه الثورة مع ازدياد تدهور الوضع الاقتصادي. ووصف تحقيق الحرية والكرامة وتحسين مستوى المعيشة والعدالة الاجتماعية تلك المطالب التي نادي بها ثوار 25 من يناير بالأمر "بعيد المنال"؛ نظرًا لانخفاض النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، لافتاً إلى أنَّ النمو الصناعي الذي كان مُعافى بنسبة 5-7 قبل الثورة قد انخفض بنسبة 1% ، وارتفع معدل البطالة الرسمي من 9 %إلى 12.5 %. ويري أنَّ سياسات الحكومة الاقتصادية لم تسفر عن أي زيادة في معدلات النمو أو خفض نسبة البطالة؛ إذ ارتفع العجز الحكومي البالغ 8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى ما يقرب من 11 % في عام 2011، كما أنه الممكن أن تتجاوز نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي 12 % في 2013. وتابع أنَّه وفي وقت ما في 2012، كانت الحكومة المصرية تدفع 16 % فائدة على دينها المحلي قصير المدى، أي أنَّ الحكومة قامت بامتصاص السيولة من النظام المالي المحلي وزاحمت القطاع الخاص؛ مما أدى إلى تراجع الاستثمار، والنمو وزيادة معدلات البطالة. وأعرب الباحث عن دهشته لتصاعد نسبة الفساد بعد الثورة؛ نظراً لكون القضاء عليه كان المطلب الأساسي للثوار، فمنذ فبراير 2011 شهدت البلاد ما يقرب من 6،000 تحقيق في قضايا فساد؛ لكن على الرغم من أن تحقيقات الشرطة قد بعثت بإشارة سياسية؛ إلا أنها لا تشكل برنامجًا فعالاً لمكافحة الفساد، ففي عام 2010 كانت مصر في المرتبة 98 على مؤشر مدركات الفساد الصادر عن "منظمة الشفافية العالمية"؛ لكنها قد تراجعت إلى 112 في عام 2011 ، و118 في عام 2012، وتكشف البيانات الصادرة عن "المؤشرات العالمية لإدارة الحكم" لعام 2011 عن زيادة عجز السيطرة على الفساد، بينما بيانات "المؤشرات العالمية لإدارة الحكم لعام 2012 هي غير متاحة إلى الآن". وقال إنَّ تراجُع صناعة السياحة والاستثمار المباشر الأجنبي، جنباً إلى جنب تزايد هروب رأس المال من مصر؛ قد أسفر عن انخفاض الاحتياطي الأجنبي من أكثر من 35 مليار دولار في 2010 ( تغطي 7 أشهر من الواردات ) إلى أقل من 15 مليار دولار في عام 2012 ، والتي تكفي لأقل من ثلاثة أشهر من الواردات. وأضاف أنَّه نتيجة لذلك أصبحت العملة الأجنبية شحيحة في البنوك المصرية، وانخفضت قيمة الجنية المصري بصورة عالية؛ لتنخفض قيمته مقابل الدولار الأمريكي بنحو 15 % خلال الثلاثة أشهر الماضية، علاوة على ذلك، ازدهرت سوق العملة الأجنبية السوداء، فضلاً عن أن التصنيف الائتماني لمصر قد شهد انتكاسة إذ خفضت وكالة"موديز" من تصنيفها الائتماني للديون المصرية، مما يعني أن البلاد باتت في موقف سيئ وينطوي على مخاطر عالية جداً. وأفاد أنَّ تكلفة الاستيراد قد ارتفعت وأصبحت عملية الشراء أكثر صعوبة، فمصر تعتمد بشكل أساسي على استيراد العديد من احتياجاتها الضرورية، بما فيها الغذاء والوقود، ومعنى انخفاض قيمة الجنية المصري مقابل الدولار هو ارتفاع الأسعار المحلية للواردات مما يؤثر بالسلب على الملايين من عائلات الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وتظهر ندرة بعض السلع المستوردة مثل وقود الديزل نظرًا لصعوبة الحصول على العملات الأجنبية، وتتحفظ البنوك الأجنبية في توفير الائتمان للمستوردين المصريين؛ إذ أن بعض رجال الأعمال يشتكون من أن فتح خطاب الاعتماد يستغرق الآن أكثر من ستة أسابيع في حين أن الأمر كان يستغرق ثلاثة أيام فقط قبل الثورة. وقال غانم إنَّه لمن الواضح أن مصر تُواجه أزمة اقتصادية، وتحتاج لتنفيذ إصلاحات ائتمانية من أجل استقرار الاقتصاد، والقضاء على الفساد، ووضع الأسس اللازمة لتحقيق نمو شامل. وتشمل مثل تلك الإصلاحات عادة على خفض العجز المالي لجعل الدين المحلي تحت السيطرة وتحقيق المزيد من انخفاض قيمة الجنية لتشجيع الصادرات وتنشيط السياحة. ويعتبر الباحث دعم صندوق النقد لتنفيذ برنامج الاستقرار أمرًا مرغوبًا فيه؛ نظراً لأنه سيفتح الأبواب لزيادة المساعدات من الجهات المانحة الثنائية، ومتعددة الأطراف وبالتالي تسهم في تخفيف ألم الاستقرار؛ إلا أن استقرار الاقتصاد الكلي يتطلب تطبيق إجراءات غير مُرحب بها على المستوى الشعبي مثل خفض الدعم وزيادة الضرائب، لافتاً إلى أن الحكومة التي تواجه بالفعل معارضة شديدة واحتجاج، فلتلك الأسباب المفهومة، تُحجم عن تفعيل مثل تلك التدابير فحصولها على دعم مالي استثنائي من الحلفاء الإقليميين قد جعلها الآن قادرة على تأجيل تطبيق مثل تلك الإجراءات الصعبة؛ إلا أن هذا لم يكن كافيًا لتحويل مسار الاقتصاد. وتابع أن الحكومة المصرية يبدو أنها في موضع الخاسر نظراً لأن تطبيق تلك الإصلاحات قد يسفر عن المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، وقد يعرض عملية التحول الديمقراطي للخطر. ومن ناحية أخرى، فإن العزوف عن فعل أي شىء سوف ينطوي عن تعميق الأزمة الاقتصادية والمزيد من المعاناة.