بلا جدال فإن الاقتصاد والسياسة يمثلان وجهين لعملة واحدة، وهي مقولة مؤكدة وثابتة بعث بها الحزب الجمهوري الأمريكي وقياداته إلي الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي، حين استثمروا أزمة الديون السيادية للبلاد التي تجاوزت حاجز ال 3 .14 تريليون دولار، والذي يمثل سقف الدين المسموح به في الميزانية الأمريكية، ورفضهم في البداية الموافقة علي رفع هذا السقف بالكونجرس، رغم تهديد وكالتي ستاندرد آند بورز وموديز بخفض التصنيف الائتماني لبلادهم وهو ما تم بالفعل . وكان الهدف من عدم موافقة الحزب الجمهوري علي رفع سقف الدين هو محاولة هز صورة الرئيس أوباما والتشكيك في قدرته وحزبه علي إدارة شئون البلاد الاقتصادية التي أوصلت أمريكا إلي مشارف الافلاس وحافة الهاوية المالية والاقتصادية وأدت في نفس الوقت إلي خفض معدل النمو الاقتصادي بالبلاد إلي أقل من 1% وزادت معدلات البطالة إلي أكثر من 2 .9% ومن ثم اهتزاز ثقة الناخب الأمريكي في الرئيس الذي تسبب في وصول البلاد إلي هذا الوضع، وبالتالي اضعاف فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كي تتجد آمال الجمهوريين في الاستيلاء علي السلطة وكرسي الرئاسة من جديد . التزمت وكالة استاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بما هددت به من قبل وخفضت التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية من AAA ??? + AA، وهو الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد، وذلك علي الرغم من اتفاق قيادات الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي علي رفع سقف الدين بمقدار 4 .2 تريليون دولار . . إلا أن هذا الاتفاق الهش المؤقت لم يمنع وجود حالات من القلق والشك والريبة من احتمالات عدم قدرة الولاياتالمتحدةالأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين . وسوف يترتب علي خفض التصنيف الائتماني لأمريكا أزمات وخسائر مالية واقتصادية عديدة لها وفي مقدمتها ارتفاع تكلفة الاقتراض مصحوبا بانخفاض قيمة العملة الأمريكية وانخفاض مؤشرات البورصة وأسواق المال ومن ثم ضرورة مراقبة القطاعات الرئيسية للسوق عن كثب، وإعادة هيكلة المخاطر وتقييم إدارة الضمانات، وما يترتب علي ذلك من ضعف الاستثمارات المحلية والأجنبية داخل الولاياتالمتحدة وبالتالي خفض فرص التوظيف وتعاظم مشكلة البطالة، وعدم إقبال العديد من الدول علي شراء أذون الخزانة الأمريكية، مع التفكير الجاد للبعض منها في التخلص من تلك الأذوان التي سبق له شراؤها من قبل لعدم جدواها المالية والاقتصادية وانخفاض العائد منها، وكذا إعادة النظر إلي العملة الأمريكية كعملة رئيسية للاحتياطات المالية للكثير من دول العالم . وبالنظر إلي كون الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الأكبر والأقوي علي المستوي العالمي فقد انعكست أزمة خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة علي دول العالم أجمع، حيث انخفضت مؤشرات جميع البورصات الأوروبية والآسيوية والعربية مع بداية خفض التصنيف الائتماني لأمريكا، وبدأت وكالات التصنيف الائتماني العالمية كاستاندرد آند بورز وموديز وفتشي في تهديد العديد من الدول الآسيوية وبعضا من الدول الأوروبية بخفض تصنيفها الائتماني لارتباط عملاتها واقتصاداتها الوثيق بالاقتصاد الأمريكي . وعلي الرغم من ادعاء بعض المسئولين في مصر بأننا لن نتأثر سلبيا من انخفاض التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية، إلا أنني علي يقين كامل بأن الانعكاسات السلبية لهذا الخفض سوف تكون كبيرة ومتعددة علي بلادنا ولعل أهم هذه الانعكاسات تتمثل فيما يلي: * الانخفاض الحاد والملموس لمؤشرات البورصة المصرية التي فقدت عشرات المليارات من الجنيهات من مدخرات الأفراد واستثمارات الشركات والهيئات التي عمقت من جراح البورصة المصرية التي انخفضت مؤشراتها بأكثر من 40% منذ بداية عام 2011 . * انخفاض القيمة الحقيقة لسندات الخزانة الأمريكية وعوائدها التي بحوزة مصر والتي تقدر بنحو 14 مليار دولار أمريكي . * انخفاض قيمة الدولار الأمريكي ومن ثم انخفاض أسعار العديد من السلع الأمريكية بما يغري الكثير من التجار والمستوردين الجشعين بشراء هذه المنتجات الرخيصة نسبيا بهدف زيادة هامش أرباحهم، بما سوف يؤدي إلي زيادة الطلب علي الدولار الأمريكي المطلوب للاستيراد، وفي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من نقص المعروض من العملات الأجنبية لانخفاض إيرادات البلاد من السياحة والتصدير وتحويلات العاملين بالخارج وضعف أو انعدام الاستثمارات الأجنبية أي أن هناك خللا واضحا بين المعروض من الدولار والطلب عليه، ومن ثم خفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي الذي يمكن أن يتعدي سعره "في حالة عدم تدخل الحكومة والبنك المركزي" إلي أكثر