سجن دمنهور كان ذكر اسمه بالنسبة لنا بينما كنا في سجن وادي النطرون حاجة تؤرق المضاجع وتزعج البال ....يا رب بلاء أهون من بلاء ..يا رب نجينا ونجِ إخواننا في سجن الابعادية بدمنهور ..قيل لنا أن التعذيب بالكهرباء هناك كتير جدااااااااا في صباح يوم سمعت اسمي ضمن إفراجات السجن المتعارف عليها ( تقدم تظلم للمحكمة وبعد فترة يحكم القاضي بالإفراج ..تنفيذا لحكم القضاء "الفاشخ" تقوم وزارة الداخلية بإخراج صاحب حكم الإفراج خارج السجن لمدة أيام ثم يعود نفس السجن أو أي سجن تاني بقرار اعتقال وفيش وبصمة جديد) اسمع اسمك إفراج يا ابن ............ هكذا كان الشاويش سعد المجرم كان ينادي على الأسماء هاشم فتحي أحمد نعم يا فندم جهز نفسك إفراج يا له يا ابن ..... في نفسي أقول وهجهز إيه وهو إيه موجود في الزنزانة علشان نجهزه ...غير مراسم الموت وغبار العدم وأدخنة الرحيل وبواعث عفنة من ضواحي عنابر السجن المتربصة بأحلامنا كيس قماش كنت قد خيطته انتقل به من زنزانة لزنزانة أضع فيه فانلة بيضاء (وقد استحالت صفراء فاقع لونها من شدة العرق في تنور الزنزانة المتوقد ) وسروال مرقع بالي قديم يكاد يستر العورة دون أن يحصنني من بأس البرد الصرصر في الشتاء وحذاء من فردتين مختلفتين ..كل ذلك متاع الحياة الدنيا التي تسافر معي سجون مصر ..في النهار حقيبة اتكئ عليها وفي الليل وسادة أنام عليها متوسدا.. جهزت حاجتي ونعلي مودعا رفقاء الزنزانة لا أدري إلى أين هذه المرة . تذكرت حلما كان يراودني قبل اعتقالي بينما كنا في بيتنا القديم بقريتنا بيت ضيق ونحن ستة أبناء وأم في غرفة واحدة وحجرة سلم ترقد فيها بهيمة لنا تحت السلم وسرير واحد يضمنا عندما كنا صغارا وكان حلمي أن ننتهي سريعا من بناء قطعة أرض اشتراها لنا والدنا قبل موته بحادث سيارة ...الحلم أن يزورني أصحابي في بيتنا الجديد. بعدما ظللت فترة أشعر بالحرج لضيق بيتنا في زيارة أصحابي..... لكنني الآن انتقل من زنزانة لزنزانة ...مش فارقة ..كلها دنيا خرجت من سجن النطرون في سيارة الترحيلات مكبل اليدين سيارة حراسة من الخلف ومن الأمام .....ماذا جرى كل الذي قلنا مضى يا مصر بالأمس عاد كنا مجموعة من الأخوة رفقاء السجن نزلنا مركز شرطة منوف بالمنوفية .... لا يختلف الحجز عن الزنزانة شيئا ...ومعاملة الضباط كانت سيئة للغاية يا شاويش الله يرضى عنك عايزين ناكل خد فلوسنا اشترى لنا الفول أو الفلافل أو أي شئ يا سعادة الضابط عايزين علاج ...عايزين طيب أمواس ومكائن للحلاقة يا عم الشاويش عشان خاطر ربنا هات لنا الطلبات دي مكتوبة في ورقة احنا مسلمين زي بعض يا عم الشيخ والله أنا عبد المأمور............ يا ابني أنت وهو ممنوع نشتري لكم أي شئ هكذا خاطبنا الضابط ( أنا عبد المأمور ) طيب ما تجيب لنا سعادة المأمور ...مش فاضي ...مشغول ....طيب حاضر وهكذا لا تختلف صورة الإجرام من ضابط مجرم بسجن وبين ضابط تكسوه علامة صلاة في مركز شرطة لخدمة الشعب كان بعض سجناء المخدرات والقتل يمرون علينا من فتحة باب الحجز واحد منهم قالي ( هو مبارك جاب بتوع ربنا هنا!! ....زي بعضه يا عم الشيخ هتفرج في الآخرة أما احنا هناخد بالجزمة القديمة في الآخرة ...) طبعا كان الضباط يمنعون سجناء الجنايات والمخدرات من الاختلاط بنا خوفا عليهم من الالتزام بما نحن عليه حتى الصلاة ..لذلك لم يطل لقائي من نافذة الباب مع هذا الجنائي عزمت على أن أكتب رسالة طويلة للمأمور ردا على تجاهله ..وجدت قلما وورقة فكتبت له ( لقد أعزنا الله بالالتزام بدينه ورغم ما نحن فيه من محنة فنحن صامدون بعون الله ...لا تظن أنك بتعاملك هذا تصرفنا عن التزامنا أو حتى تزحزح إيماننا بالله وثقتنا بوعده ...إفعل ما شئت ونم قرير العين والله وحده يعلم ما بنا ويتولانا ) أعطيت الورقة للشاويش وأوصلها للمأمور... في هذا الوقت كان اندفاع داخلي أريد أن أكتب لأمي رسالة طويلة عن حالنا بالسجن ...معي قلم لكن ليس هناك ورق ...وجدت قطعة من الكرتون الأصفر كتبت خواطري بينما كانت تتدفق من وجدان مثقل بالشوق ...سطرت رسالتي ( والله يا أمي لو يعلمون ما بي من سعادة بقضاء الله لأخرجوني لضيق الدنيا ...أرفعي رأسك يا أمي بين الناس وقولي لهم ..ولدي ابتلاه الله وصبر ....قولي لهم ..السجن للرجالة ...تعجبت من كلامك لي (يا ابني اعمل توبة عشان تطلع ) وأي توبة يا أمي ..هل يرضيك أن أكون أن أبيع التزامي وإيماني بالله للطغاة المجرمين ...يا أمي إنما هي صبر ساعة ....سلامي لك وتحياتي واختم لك بقول الشيخ سيد قطب في تفسيره ( إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا لكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا ..أما الكبير الذي يحمل هذا العبء فما له والنوم وما له والراحة ..!) كتبت الرسالة .لكن كيف تصل إلى أهلي في الصعيد ؟! في الليل أدخلوا ست بيت كانت طرفا في مشكلة فأدخلوها في طرقة أمام حجزنا خوفا عليها من حجز السجناء الجنائيين ...ست كبيرة من الفلاحين .... كلمتها من فتحة الباب عرفت أنها ربما تخرج صباحا ..طلبت منها أن تأخذ هذا الخطاب (قطعة الكرتون) وكتبت لها العنوان قالت (من عنيا يا ابني ..) ووصل الخطاب بعدها لأهلي جهز نفسك يا شيخ انت وهو ( طبعا مراكز الشرطة ينادوننا بالشيخ وفي السجن ب يا اد يا ابني المره ......) خرجنا للفيش والتصوير عرفنا بأنه سيتم ترحيلنا لكن لا ندري إلى أين يا رب باعد بيننا وبين سجن دمنهور نظرا لما سمعناه عن التعذيب هناك نفس الشنطة بنفس الغيارات والحذاء جعلونا في كلابشات دون أن يخبرونا إلى أين عرفنا في الطريق أنه أنه سجن دمنهور يا رب لك الحمد على قضائك وقدرك ,,, رضينا يا رب فارض عنا الطريق طويل لكن مع دقات القلب ونوبات التوجع وإرهاق الذهن بالمجهول الموجع كانت السيارة تقفز بنا أو هكذا كان ينقلنا الشعور بينما القصص ووقائع التعذيب تتزاحم أما م أعيننا... كل ما مررنا على الطريق الصحراوي نرى قطعة أرض طويلة جداااااااااااا مكتوب على لوحة بها ( الأرض تابعة لمصلحة السجون) خلاد حين يسألني عن معنى كلمة سجن لا أدري كيف أصفه له الآن ..سجن يعني تحبس قطة ساعة في قفص يا خلاد طيب يا بابا حرام عليك تحبسها ليه لا يا خلا دانا ما حبستش القطة لكن هو ده السجن كيف به خلاد لو كشف عن الغطاء ونظر إلى سجن المجرمين الطغاة بينما لا يزال يترحم على حبس قطة صعيرة ذكرني خلاد بالصول محمد السيد من بني سويف كان في سجن النطرون فقلت له مرة بعدما تعرفت عليه أثناء توزيع الفول ( يا عمي محمد انت عارف ان في إمرأة دخلت النار في قطة ) قال عارف بس القطة دي بريئة لكن انتم ولاد ستين .......... يا ترى انت فين يا عمي محمد دلوقت وللحديث عن رحلة الاستقبال بسجن دمنهور بقية أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]