كانت دهشة صاحبى بادية وهو يتحدث عن محاكمة ما سمى ب "خلية حماس" فى الأردن، وهو يردد عبارات من قبيل: ألا يكفى حماس ما تلاقيه من العالم كله؟ ألا يكفيها المقاطعة الاقتصادية الدولية التى يشارك فيها العرب؟ أليس عبء المواجهة اليومية مع المحتل الصهيونى عسكرياً وسياسياً ثقيلاً بما يكفى لنرحم "حماس" من أعباء أخرى؟ ألا تكفى طعنات المعركة اليومية لنضيف إليها طعنات الغدر من الظهر؟ أسئلة كثيرة راح يطلقها قبل أن يتوقف مستديراً نحوى وهو يقول: كما يدهشنى هدوءك هذا الذى أنت فيه. قلت له: يا صاحبى قد أكون حزيناً لكننى لست مصدوماً، فلا جديد فى أن يقوم طرف عربى بمساندة العدو الصهيونى، والواقعة لها سوابق. ففى عام 1919 التقى الأمير فيصل إبن شريف مكة بممثل الحركة الصهيونية "حاييم وايزمان" واتفق الاثنان على أن يساعد اليهود فيصل على تحقيق حلمه بمملكة مستقلة بشرط استثناء فلسطين التي وافق فيصل على منحها لليهود لينشئوا فيها كيانهم الاستيطانى، كما قطع فيصل على نفسه تعهداً واضح أنه التزم به بالعمل على مساعدة اليهود للهجرة الى فلسطين وتقديم الدعم اللازم لذلك، ولم يكتف سموه بهذا، بل ضمن رسالته مطالبته الملحة لليهود بإظهار احتقارهم للفلسطينيين وقال إنه لا يعتبر الفلسطينيين عرباً. وللتأكيد على نواياه الصادقة أرسل فيصل الى زوجة "حاييم وايزمان" رسالة أرفق معها بخط يده نسخة موقعة من الاتفاق المعقود بينه وبين زوجها . هذه الرسالة وما أرفق بها محفوظة في دائرة الوثائق التاريخية للكيان الصهيونى، واليهود يستخدمونها للتدليل على أن كيانهم تأسس بموافقة عربية رسمية. أيضاً فإن ملكاً عربياً راحلاً كان يعمل جاسوساً بمرتب لدى المخابرات المركزية الأمريكية، هذا الملك كان اسمه الكودى لدى "CIA" "مستر بيف" وقد استمر عمله معها عشرين عاما تقريباً مقابل مليون دولار شهريا، أو هذا ما تذكره وثائق المخابرات المركزية الامريكية السرية منذ عام 1957 وحتى عام 1975. هذه الحقيقة كشفها الصحفى الأمريكى الشهير "بوب وودوارد " مفجر فضيحة ووترجيت وصاحب كتاب "الحجاب". وقصة "مستر بيف" يعنى السيد لحم البقر نشرتها جريدة " واشنطن بوست " في عددها الصادر في الثامن عشر من فبراير عام 1977، وأعاد "بن برادلي " رئيس تحرير الجريدة سرد الحكاية " في مذكراته التي صدرت تحت عنوان a good life . والتقطها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه " كلام في السياسة " الذي حاول فيه ربط عمالة الملك للمخابرات المركزية بالنكبات التي أصابت منطقة الشرق الأوسط بسبب التسريبات الأمنية التي كانت تتم للمخابرات المركزية الأمريكية دون أن يعرف احد مصدرها. أما "مستر بيف" فقد دافع عن نفسه وهو حى مدعياً أن المبالغ التى كان يتلقاها من أمريكا هى نفقات حراسة أبنائه أثناء تعليمهم فى بلاد العم سام، وهى حجة باطلة، فالأبناء كانوا أطفالاً دون سن التعليم، أو لم يولدوا بعد حين بدأ يتلقى "مرتبه". انتهيت من سرد القصة المخزية ثم قلت لصاحبى: أمازلت تشعر بالدهشة والصدمة؟ يا صاحبى لقد كبر الأولاد، والشاعر يقول: "وينشأ ناشئ الفتيان منا .. على ما كان عوده أبوه"! [email protected]