هل من المنطق الحديث عن تعايش سلمى أو مبادرات سلام بين العرب والصهاينة، بعد كل هذه المجازر؟ هل من العقل إلقاء اللوم على حماس وحدها، رغم أن إسرائيل اخترقت الهدنة عدت مرات وآخرها كان فى 4 نوفمبر الماضى، وقتلت بعض عناصر حماس، فضلا عن أنها مارست أبشع أنواع الحصار على الفلسطينيين فى غزة؟ هل بعد كل هذا تريد إسرائيل عقد اتفاقات سلام مع الفلسطينيين؟ وإذا كانت تريد السلام لا التوسع والهيمنة، لماذا تقتطع يوميا أجزاء من الضفة الغربية المستكينة والراضخة لبناء مستوطنات تنتشر كالسرطان رغم أن المطالب والاتفاقات الدولية تقف ضد بناء المستوطنات؟ وإذا كانت مهتمة أو معنية بالسلام، فلماذا تهجر الفلسطينيين فى القرى والبلدات المحتلة التى لم تطلق أى صواريخ؟ وإذا كانت جانحة للسلم،فلماذا لم تقبل بالمبادرة العربية التى تمنحها سلاما عربيا كاملا مقابل العودة إلى حدود 1967؟ وهل تستحق الصواريخ التافهة التى تطلقها حماس، منذ انسحاب إسرائيل من غزة فى عام 2005، والتى تجاوزت الألف صاروخ ولم تقتل سوى 14 إسرائيليا، بينما قتلت إسرائيل ما يزيد على 2200 فلسطينى منذ التاريخ نفسه، هل تستحق هذه الصواريخ، أكرر التافهة، هذه الحملة التى تبيد الحرث والنسل وتقتل العُزل والضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ وتروع من تبقى؟ ربما تكون حماس قد أعطت إسرائيل ذريعة واحدة وهى إطلاق الصواريخ وإنهاء الهدنة الهشة، لكن حربا بهذه البشاعة والدموية تستخدم فيها أحدث الأسلحة وأقواها تدميرا، فضلا عن الأسلحة التى تدخل الخدمة لأول مرة،تحتاج إلى عشرات المبررات، وإسرائيل تملك بالفعل عشرات المبررات والأهداف. فماذا تفعل كل الحيل أمام رغبة إسرائيل الجامحة فى خوض هذه الحرب الحتمية والضرورية بالنسبة لكل السياسيين الصهاينة، فليس خافيا على أحد رغبة إيهود أولمرت فى الخروج من الحكومة بنصر ما يهديه لشعبه الغاضب عليه بسبب الفشل فى جنوب لبنان وتهم الفساد التى خنقته وأسقطته من رئاسة الحكومة ولا يغيب عنا الطموحات الكبيرة لإيهود باراك، الطامح فى العودة للحكومة على أشلاء الشهداء الفلسطينيين وها هو يحظى بشعبية كاسحة إذ يؤيده أكثر من 95% من شعبه؟ وكذلك نتنياهو ووزيرة الخارجية تسيبى ليفنى؟ أليس من السذاجة أن يتوجه وزراء الخارجية العرب الذين فشلوا فى القاهرة، إلى مجلس الأمن منتظرين موقفا لم يقدروا هم على صياغته؟ ورغم أن المشروع الذى قدم لمجلس الأمن يطالب بإنهاء الهجمات الإسرائيلية على غزة، واصفا هذه الهجمات بأنها (قوة مفرطة) و(قوة غير متناسبة) فإن الاجتماع انفض دون تصويت من مجلس الأمن والأدهى والأمر أن بعض المندوبين الغربيين وصفوا المشروع العربى المتخاذل بأنه (مشروع غير متوازن)، المضحك أن وزير الخارجية المصرى نصح وزراء الخارجية العرب بأن يتفادوا استخدام لغة غير متوازنة تكتفى بإلقاء اللوم على إسرائيل، ولا أدرى لماذا لا يصمت أبوالغيط حتى لا يتسبب فى مزيد من الحرج لمصر ومشاركة إسرائيل فى سعيها هذا، فوزيرة خارجيتها كانت تعلم أن أهم هدف يمكن أن يتحقق من زيارتها لمصر قبل ساعات من شن الغارات على غزة الإيحاء بأن مصر شاركت بالصمت فى هذا العدوان، وهل سيكون مفيدا الآن إحراج مصر وإبعادها عن القضية الفلسطينية، رغم أن الجميع كان يعلم أن إسرائيل تحضر لحرب ضد غزة من خلال الصراخ فى كل أنحاء العالم من خطر صواريخ حماس وتجهيز إسرائيل خطة إعلامية هيأت الإعلام الغربى وجعلته يتعامل مع المجازر على أنها رد فعل على إرهاب حماس؟ أليس هذا ما تريده إسرائيل بالفعل، وهل نحن فى حاجة إلى دليل لكى نعرف أن إسرائيل تضغط بكل ترسانتها الحربية على أهل غزة كى ينفجروا فى وجه مصر؟ ورغم أن حماس لم يكن لديها تقدير للموقف سياسيا، حيث الانتخابات الإسرائيلية فى 10 فبراير المقبل، ولا عسكريا، حيث لا تملك ما تجابه به الترسانة الصهيونية، إلا أن أيادى كثيرة عربية وإسلامية وغربية ملطخة بدماء الشهداء. ما يحدث فى غزة فاق حدود الجنون وتجاوز تعبيرات الإبادة الجماعية والتطهير العرقى والقتل بدم بارد، والوحشية والهمجية، وتخطى منصات الشجب والإدانة. فالذى نراه أبشع من أن تحله مؤتمرات، وسيخلق عشرات المنظمات من عينة حماس، ويكفى أن الصوت المرتفع الآن فى مصر هو صوت الإخوان، بينما يمارس رجال الدولة لعبة الدعم والتأييد والتذكير بدور مصر على مر التاريخ تجاه القضية الفلسطينية ومعهم يهلل الإعلام وكأنهم جميعا يتحسسون رؤوسهم.