منذ أن دخل بونابرت مصر وحتى الآن ، أي منذ أكثر من قرنين من الزمان وحكام مصر لا يكفون عن الدخول إلى رواق السياسة راكبين مطية الأزهر .. وإذا كان للأزهر دور فى الحركة الوطنية المصرية . فهو الاستثناء من القاعدة التى جرت على تبرير بعض مشايخه للكثير من قرارات الحاكم أو مواقفه . ومحاولة إضفاء الصبغة الشرعية عليها بإيجاد سند لها من الشريعة والدين . وقد كان لنابليون بونابرت الفضل الأول فى لفت الأنظار لما يمكن أن يقوم به رجال الدين من تأثير في إقناع الجماهير أو النخبة ببعض ما يتخذه رجال السياسة من قرارات أو مواقف . وإذا كان القائد الفرنسي أشاع بين العامة أنه قد اعتنق الدين الإسلامي . لتهدئة الخواطر وإسكات الأصوات الرافضة لدخوله مصر . فإن سلفه الجنرال مينو قد اعتنق الإسلام بالفعل وأطلق على نفسه اسم عبدالله وتزوج بفتاة مصرية من مدينة رشيد ، ليكمل بها أوتكمل له نصف دينه الإسلامي ! وحين سارت المواكب الشعبية إلي محمد على تطالبه بتولي الحكم فى مصر . كان شرطه الأول موافقة رجال الدين علي ذلك ليكون حكمه للبلاد شرعيا ! وحين قام عرابي بثورته وأراد الخديوي توفيق أن يخمدها طلب من شيوخ الأزهر إصدار فتوى تؤكد أن ثورة عرابي ضده تدخل فى إطار ( الفتنة ) التي تفرق شمل المسلمين وتشق صفهم ! هكذا ظل الأزهر فى الكثير من مراحل الحسم يلعب نفس الدور . الوقوف خلف الحاكم وليس أمامه . تبرير وليس ترشيدا . وصولا إلي العصر الحديث حين أصدر شيخ الأزهر الأسبق فتوى تبيح لأنور السادات عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل تفسيرا للأية الكريمة (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله ) متجاهلا أن اليهود ليس هم الذين جنحوا للسلم وبدأوا به . ولكن السادات هو الذي فعل ذلك جانحا إلي السلم وبادئا به ! ولا زلنا نرى الأزهر علي حاله حتى اليوم ، بل إنه أصبح فى كثير من الأحيان يتطوع بالفتاوى التي يتصدق بها علي الحاكم حتي قبل أن يطلبها منه . مؤكدا ولائه لصاحب السلطان والعمل في خدمته قاصدا أن يحظى برضاه والابقاء عليه في مقعده الوثير بالمشيخة ! ولعل آخر تلك الفتاوي التي تبرع بها الأزهر لصاحب السلطان ، هذه الفتوى التي تتعلق بالجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر علي حدودها مع غزة ، والتي أفتي الأزهر بشرعيته بل وألزم أصحابه بواجب إقامته حماية للحدود وحفاظا علي امن البلاد واستقراره . مناقضا تلك الفتوى التي أصدرها كبار المشايخ وعلماء مثل القرضاوي وشاهين وغيرهما ممن حرموا على السلطات المصرية بناء ذلك الجدار الذي يؤدي إلى هلاك المسلمين في غزة . بإحكام الحصار لتجويعهم وفرض الاستسلام عليهم . ولعل الأخطر في الأمر أن الأزهر لم يعط الشرعية لمصر فقط لبناء جدارها بل أعطاها ايضا لإسرائيل التي لا تزال تقيم جدارها العازل بينها وبين الفلسطينيين لنفس الأسباب والمبررات التي قدمها الأزهر للسلطات المصرية . بل والأكثر من ذلك أنه أعطي الشرعية بأثر رجعى لكفار مكة حين قرروا مقاطعة المسلمين ورفض التعامل معهم بيعا أو شراء لإجبارهم علي التخلي عن دينهم والرجوع عن مواقفهم الثابتة ! والسؤل الآن .. هل هو أزهرنا أم هو أزهر سفيان بن حرب ونابليون بونابرت والخديوي توفيق ؟! وأي إسلام نصدق .. هل نصدق إسلام القرضاوى وشاهين أم نصدق إسلام طنطاوى وجمعة ؟! ولحساب من هذا التشويش والبلبلة التي يحدثها شيخ الأزهر بين الفترة والأخري في أوساط المسلمين بتضارب الفتاوى وتناقضها ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل من قصد إصابتنا بالارتباك والتشكيك في دين القيمة !!