هذا هو عنوان الكتاب الجديد للباحث السلفى المتميز أحمد سالم، والمشهور بأبى فهر، وقد صدر هذا الكتاب بداية عام 2013 عن مركز نماء للبحوث والدراسات فى 550 صفحة من القطع الكبير، وهو كتاب هام جداً للتعرف على الحركة الإسلامية فى مصر بكافة مدارسها وتوجهاتها ومواقفها. الكتاب فى ظنى سيجد أصداء كبيرة جداً لسببين، الأول: موجة الهجوم التى ستشن عليه من مختلف التيارات والجماعات أو أفرادها وذلك أننا كمسلمين وإسلاميين لا نزال لم نتأدب بأدب القرآن فى النقد العلنى والشفاف، فالقرآن الكريم جعل عتاب الله عز وجل لنبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام فى بعض المواقف الاجتهادية قرآناً يتلى إلى يوم القيامة كقوله تعالى: "عفا الله عنك لِم أذنت لهم" (التوبة 43)، "عبس وتولى أن جاءه الأعمى" (عبس 1-2)، وغيرها من الآيات، وكذلك معاتبة الله عزوجل للصحابة رضوان الله عليهم فى معركة أحد وفى أسارى بدر نزلت فيهم آيات تتلى إلى يوم القيامة. وقد عد المنصفون من العقلاء هذه الشفافية والعلنية فى التقييم والتقويم من دلائل صحة وسلامة نبوة النبى صلى الله عليه وسلم بنقله آيات تعاتبه فلم يكتمها ولم يخفِها، كما أن هذه الآيات من دلائل سلامة القرآن الكريم وحفظه وأمانة الصحابة الكرام الذين نقلوا هذه الآيات للدنيا وفيها عتاب للنبى صلى الله عليه وسلم الذى يفدونه بأرواحهم وأنفسهم، ونقلوا هم أنفسهم هذه الآيات التى تعاتبهم، مما يبطل مزاعم المنحرفين من أرباب الفرق الضالة الذين يتهمون الصحابة الكرام بحذف بعض الآيات فلو فعلوا لحذفوا هذه الآيات التى تمسهم!! المهم أن النقد العلنى والشفاف منهج قرآنى لكن لا يزال المسلمون والإسلاميون بعيدين عنه كما أنهم بعيدون عن أشياء أخرى جاء بها القرآن ولهذا لا يتحقق لهم الفوز الكامل والنجاح التام برغم أنهم يقيمون الصلاة والصيام والحج ويسعون لتطبيق شرع الله فى دنياهم، ولكن بسبب القصور فى إخضاع أنفسهم لبعض مبادئ القرآن والسنة مثل الشفافية وتولية الأصلح والعدل ولو على النفس يحصل لهم نوع من العقوبة الربانية بتأخير النصر الشامل والسعادة المطلقة، ويمرون بمخاضات صعبة وابتلاءات ومشاق ليس لها نهاية إلا بالتزام سائر أسس القرآن والسنة فى عباداتهم ودعوتهم وسياساتهم ومعاملاتهم مع أنفسهم ومنافسيهم من الإسلاميين ومخالفيهم من غير الإسلاميين. والسبب الثانى الذى سيجعل للكتاب صدى هو تميزه وقوته لعوامل متعددة، فمؤلفه باحث واسع الاطلاع تعرفه صفحات المنتديات بأبحاثه القوية وردوده الساخنة، والكتاب يقدم خريطة واضحة المعالم للجماعات الإسلامية فى مصر كالسلفيين والجهاديين والإخوان وتيارات التنوير، ثم يفصل للقارئ فى مواضع الخلاف بين تفاصيل كل مكون من هذه المكونات مع بعضها البعض، ثم مع المكون الآخر، فمثلا يشرح الخلاف بين التيار السلفى العلمى والتيار السلفى الحركى مثلاً، وبعد ذلك يفصل فى الخلاف بين السلفيين عموماً وبين الإخوان وهكذا. ومن عوامل قوة الكتاب أنه دراسة من داخل الحركة الإسلامية وليس من خارجها، وداخل الصف السلفى الذى حاز القسم الأكبر من الكتاب لباحث سلفى مشتبك مع العلوم الاجتماعية والمفاهيم التنظيرية لحركة الجماعات والأحزاب. يصعب أن أقدم فى هذه المساحة المحدودة معلومات تفصيلية عن هذه الخلافات لكن يمكن أن نركز على الرؤية العامة للكتاب التى عرضها الباحث فى مقدمته والتى منها: أن أصل الخلاف بين الإسلاميين هو خلاف على شرعية التأويل الصحيح للدين، وخاصة الخلاف حول منهج الإصلاح وطريق التغيير الأمثل للوصول بالمجتمع والدولة للسؤدد والمجد الذى شهدته فى العصر الأول للإسلام بتطبيق الشريعة. وأن وقوع الخلاف فى الفهم والمنهج الأمثل قد يكون شيئا طبيعيا فى أصل الجبلة البشرية ولكن غير الطبيعى هو حالة الظلم والبغى التى تحدث بسبب نقص العلم وغياب المرجعية العلمية والسياسية التى تحسم الخلاف، وبسبب التدخلات الخارجية التى تذكى الخلاف لتفتيت الصف، وأن مما يزيد الخلاف بين الإسلاميين اتساع مساحة الحرية أمامهم والتى تزيد من مساحة البحث عن المكاسب الفئوية والحزبية، والتى تقل كلما تعاظم الضغط والتحدى الخارجى الواقع عليهم. الكتاب يأتى بحسب مؤلفه لتشخيص الواقع/ المرض الذى هو الخطوة الأولى للعلاج، وليس هذا بنشر للغسيل الوسخ للإسلاميين، فكل التيارات السياسية والفكرية والدينية تشهد ظاهرة الانقسام والخلاف والتشتت، وأكبر مثال على هذا فى مصر جبهة الإنقاذ التى تجتمع على محاربة الإخوان المسلمين لكنها لا تتفق على مرشح رئاسى واحد!! من الفوائد المهمة للقارئ المهتم بالتعرف على التيارات الإسلامية تنبيه الباحث على الخلل فى غالب الدراسات الدارجة عن السلفية من ناحية المفهوم، ولذلك بدأ الباحث بتوضيح حقيقة المنهج السلفى وأنه اعتماد حاكمية منهج السلف/ الصحابة/ القرون الثلاثة الأولى فى الفصل بين اختلافات الإسلاميين عبر التاريخ الإسلامي، وهنا ينبه الباحث على التفريق بين السلفية كمنهج وهو المتفق عليه بين كافة السلفيين وبين السلفية كممارسة من قبل السلفيين وهذا موطن الخلاف والخصام بينهم، والتى يقع الخطأ فيها من البعض لسوء فهم أو اجتهاد أو هوى وما شابه. يرى الباحث أن السلفية فى مصر تنقسم إلى: سلفية علمية دعوية يجمعها الاشتغال بالعلم والدعوة على تباين مواقفها وأفكارها تجاه الآخرين من السلفيين وغير السلفيين والسلطة الحاكمة، ولكن تتميز بتجنب التسييس والتنظيم، وقريب منها ما سماه بالسلفية المدخلية والتى تتميز بالشدة على المخالفين بل حتى على السلفية العلمية الدعوية التى تشترك معها فى غالب الأشياء. أما السلفية الحركية السياسية فهى التى تزيد على السلفية العلمية ممارسة السياسة والتنظيم على تفاوت كبير فى مكوناتها، والسلفية الجهادية التى جمعت لذلك خيار القتال كأداة وحيدة لنصرة الدين! وقد بين الباحث فى كتابه شدة تأثير فكر سيد قطب على نشأة هذا الخط حتى نسيت نشأته الإخوانية!! يخلص الباحث إلى وجود أخطاء عند السلفيين لابد من علاجها كعدم الانزعاج من التفتت والتشرذم وهم يحملون اسم أهل السنة والجماعة! وغياب الرؤية الشاملة للأحوال العامة والانشغال بالتفاصيل وعدم مسامحة الآخرين إذا لم يشاركوهم بحث التفاصيل!! عند ذكره للخلاف بين السلفيين الحركيين والإخوان صدّر الباب بجملة فى غاية القوة للقيادى السلفى ياسر برهامى قال فيها: "الوسيلة الصحيحة لحسن العلاقة مع الإخوان الوجود القوي"، وهذه العبارة تفسر لنا ما يجرى حالياً بين حزب النور السلفى وحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان، وأظن أن هذه خلاصة تجربة ودراسة عميقة لطبيعة تعامل الإخوان مع خصومهم أو أى فصيل فى موضعهم، وهذه القوة والندية إذا رافقها الوعى والتنافس الشريف سيكون لها بالغ الأثر على الحركتين والناس، لأنها يجب أن توجه للتنافس وبقوة فى خدمة الدعوة والناس مما يرتقى بالجميع، وهذا هو الحال فى كثير من القطاعات فالتنافس التجارى والإعلامى والرياضى والثقافى إذا التزم بالشرف والأمانة والقيم الأخلاقية يحسن المنتج ويرفع المستوى وهذا المأمول من الحركات والأحزاب الإسلامية. يرى الباحث أن خلافات الإخوان الداخلية بين المحافظين والإصلاحيين لا ترجع فى حقيقتها إلى اعتبارات شرعية بل هى على خلفية تنظيمية وحزبية، كما أن ما يؤخذ على الإخوان اليوم من تفرد وتحكم وتقديم الولاء على الكفاءة هى مؤاخذات متوطنة فى الجماعة من قديم، من زمن مؤسس الجماعة حسن البنا نفسه. فى النهاية: العالم كله ينتظر اليوم نتيجة التجربة الإسلامية فى الحكم، والنجاح فى هذا الامتحان مسؤوليتنا نحن الإسلاميين بعلاج أخطائنا ومعالجة قصورنا، وتعاوننا جميعاً فى الصحيح والنافع، وزيادة الجد والاجتهاد لتقديم خدمة أفضل للناس، وعدم الركون لخداع النفس بأننا نتعرض لمؤامرة خارجية وداخلية، ولا نتهمّ أنفسنا بالقصور.