جريمة الخصوص، وما جرى أمام الكنيسة الكاتدرائية يؤكدان بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك من يريد إشعال مصر بالفتنة الطائفية؛ لإحداث فوضى فى البلاد بعدما فشلت كل الفعاليات التى دبَّرها أعداء الثورة لإدخال البلاد فى موجة عنف بهدف إسقاط الدولة. ولذلك طالبنا بعد وقوع هذه الأحداث المؤسفة مباشرة بالتحقيق الفورى فى الأحداث والاشتباكات التى تحولت إلى صدام بين المسلمين والأقباط، وأسفرت عن وقوع قتلى ومصابين؛ وذلك لمعرفة الحقائق، والتأكد من عدم وجود عمل مدبر للوقيعة بين المسلمين والأقباط. فتطبيق القانون هو صمام الأمان لمنع تلك الحوادث، والضرب بيد من حديد ضد من يعبث بوحدة المصريين وأمنهم هو السبيل لحفظ الأمن والاستقرار، خاصة ونحن أمام قوى معارضة تحولت إلى "مفسد سياسي" تسعى لتخريب المشهد السياسي، بل تحاول القفز على الشرعية، والتغيير عن طريق العنف، كما أنها لا تريد أن تفهم أنها تلعب بالنار حينما تستخدم ورقة الطائفية، وتحول الصراع السياسى إلى حرب أهلية. نكاد نَجزِم أن ما جرى فى الأيام الفائتة ليس فتنة طائفية، بل هى فتنة سياسية من أجل اختصار طريق الفوضى لإسقاط مرسى وإفساد التجربة الديمقراطية. مشهد العنف أمام الكاتدرائية بالعباسية يبدو غريبًا ومثيرًا للدهشة، ومنبع الدهشة هو: كيف يتولد العنف من رحم الثورة المصرية السلمية، التى بهرت العالم بتلاحمها الوطنى، مسلمين وأقباطا. ورغم ما هو معروف عن المصريين وطبيعتهم المتسامحة المتعايشة على مر العصور والأزمان، وتعايشهم على أرض مصر بمختلف الأفكار والأجناس، ولا تستطيع حتى الآن أن تميز فى الشارع المصرى بين مسلم ومسيحي؛ لكننى أعتقد اعتقادا جازمًا أن الفتنة مفتعلة، وهناك جيوب متعصبة فى كلا الطرفين تحاول إشعال النار، وإن كان التطرف المسيحى هذه المرة هو الأبرز فى المشهد. يجب ألا نضع رءوسنا فى الرمال، وعلينا أن نبحث وندرس مولدات العنف فى المشهد المصرى ونعالجها بكل أمانة؛ حتى لا تطل الفتنة برأسها من جديد، فتأكل الأخضر واليابس. وأول ما يجب على قادة الرأى والفكر وعقلاء الأمة هو التصدى لكل من يريد اللعب بورقة الطائفية، وضرورة التدخل لإنهاء الاحتقان بين جميع الأطراف. والأمر الأهم، لا بدَّ من اتِّخاذ إجراءات رَادِعَة ضدَّ كلِّ مَن يعبث بوحدة وأمن مصر، خاصةً أن بعض القوى السياسية من فلول النظام البائِد تُحاوِل بشَتَّى الطرق إحداث فوضى فى البلاد، وهى تَجِد فى الطائفية أرضًا خصبة للوقيعة بين أبناء الوطن؛ لذلك فإنَّنا نرى أن الطائفية تُعْتَبَر من أكبر المخاطر التى تهدِّد الدولة المصرية. ولذلك يجب على الجميع أن يصطفَّ كالبنيان المرصوص؛ لقطع الطريق أمام أعداء الثورة والوطن، خاصةً أنَّ تلك الأفعال المُشِينة التى وقعت فى الخصوص وأمام الكاتدرائية من قتلٍ وإحراقٍ واعتداءٍ لا يُمْكِن أن تصدر من متدينين يعلمون حقيقةَ دِينِهم، سواءٌ أكانوا مسلمين أو مسيحيين. فالإسلام العظيم يرفض الطائفية والاعتداء على الآخرين بسبب ديانتهم، بل إنَّ القرآن ساوَى بين المساجد والكنائس والمعابد، من حيث حرمة الاعتداء أو الهدم، يقول تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}. [سورة الحج: 40]. بل إن النبى صلى الله عليه وسلم أطلق بندًا دستوريًّا بِحُرْمة معاداة أهل العهد والذِّمَّة من الأقباط وغيرهم، فقال: «مَن ظَلمَ معاهدًا أو انتقصه حقًّا أو كلَّفه فوقَ طاقتِه أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طِيبِ نفسٍ منه فأنا حَجيجُه يومَ القيامةِ». [أخرجه أبو داود والبيهقى وحسنه الألباني]. والتاريخ حافل بما يؤكد السلام والتعايُشِ بين أبناء الأمة من المسلمين والأقباط.