بين ليلة وضحاها تحولت مصر من حالة الاستقطاب السياسي التي تعصف بمصر إلى أزمة جديدة ، حيث جاءت الأحداث التي وقعت بمنطقة الخصوص بمحافظة القليوبية وما تلاها في محيط الكاتدرائية لتتصدر المشهد المصري لتصبح تلك الأحداث حديث الساعة وسط مخاوف من خرق النسيج الوطني الواحد الذي تنعم به مصر بين مسيحييها ومسلميها . فما جرى في الخصوص، وما حدث بالكاتدرائية ينذران بتداعيات خطرة، قد تستغلها بعض الأطراف في تهييج حالة الشارع المصري ، ما لم تكن هناك معالجات لوأد هذا الاحتقان .
فقد تحول المشهد الجنائزي المهيب فجأة بالكاتدرائية المرقسية في حي العباسية في القاهرة الى حالة أشبه بحرب شوارع ، بين صراخ ، طلقات خرطوش عشوائية، زجاجات مولوتوف تتطاير في الهواء، قنابل غاز تطلق من أماكن وأشخاص غير مرئيين، فوضى مصحوبة بالغضب، أقباط يحملون الصليب ويهتفون بسقوط المرشد والرئيس ونظام "الإخوان"، أمن يتقدم ويتراجع تبعاً لسخونة الأحداث ما بين الأقباط المتمترسين أمام الكنيسة خوفا من اقتحامها، وبين مجهولين يقذفونهم بالحجارة، ويحاولون اقتحام الكاتدرائية.
هذا المشهد لم يتوقعه أي مصري على الإطلاق ، إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الجميع لماذا تقع تلك الأحداث ؟ ومن المسئول عما يحدث ؟ .
فتنة أم أزمة؟ وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن ما حدث هو عودة الفتنة الطائفية التي تطل برأسها على النسيج الوطني المصري ، إثر أزمة اعتبرها مراقبون لا يمكن بحال أن تتسبب في أزمة بين شخصين، فضلاً عن أنها يمكن أن تهدد هذا النسيج الذي ظل متماسكاً لأكثر من ألفي عام، اللهم إلا بعض الاحتقانات المسيسة التي تصيبه بفعل بعض الاطراف ، إلا أن هناك من يرى أن تلك الاحداث لا تصنف على أنها فتنة بل هي أحداث عابرة ستمر بزوا سببها .
فتعليقاً على تلك الأحداث ، أكد عماد جاد نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن أحداث الكاتدرائية المرقسية بالعباسية التي وقعت أمس ، قد برهنت على التوحد الوطني، مستدلا بتواجد نسبة كبيرة من المسلمين داخل الكنيسة، للمشاركة في الجنازة على ضحايا الخصوص، ووقوعهم في الحصار مع الأقباط داخل الكاتدرائية.
وأشار، في حوار ببرنامج "مصر الجديدة" على قناة "الحياة 2" ، إلى أن النظام الحالي يحاول توجيه رسالة لخراب البلاد، موضحا بأنها محاولات فاشلة لإحداث فتنة طائفية . وأكد جاد أن النظام الحاكم يفتعل الانقسام بين الشعب المصري لأنه يتصور أنها هي الطريقة الوحيدة ليعبر الأزمة، مضيفاً "أتوقع أن تتكرر حادثة الخصوص عدة مرات، ولن يقدر النظام على التفرقة بين المسلمين والمسيحيين" .
وأوضح العضو بمجلس الشعب المنحل أن خلال فترة الثورة أو الانتفاضة رأينا 18 يوما بلا طائفية، بعد أن أتي مبارك ظلا يرعي شجرة الطائفية التي حصدنا منها نتائج مرارا.
عقاب للمسيحيين وفي ذات السياق ذكرت حركة "أقباط من أجل مصر" إنه آن الأوان لعزل تلك السلطة التى تؤكد يومًا بعد يوم، موقفًا وراء موقف، أنها سلطة غير شرعية وغير قادرة على إدارة البلاد، وأنها لا تستطيع أن تستمد قوتها إلا من حوادث الفتنة الطائفية . مشيرة فى بيان لها اليوم الاثنين إلى أن السلطة بدأت فى بث قضايا مفتعلة مع إيران تارة ومع الجيش المصرى تارة أخرى حين رأت أن الشعب كله أصبح يدًا واحدة ضد الإخوان.
وأضاف البيان "لما لم تجدى هذه الأفعال الخبيثة ولم يستجيب لها الشعب، عادوا إلى بث الفتن الطائفية واستغلال عدم وعى البعض كما حدث فى الخصوص، ثم هاجموا الكنيسة القبطية ممثلة فى رمزها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وكأنه رد على غضبة الشعب وهجومه على مكتب الإرشاد المحظور بالمقطم وعقاب لتأييد المسيحيين لموقف فضيلة شيخ الأزهر".
وأعلنت الحركة أن عزل مرسى هو الحل، مطالبة بطرد الاحتلال الإخوانى لمصر - على حد قولهم . مؤكدة أنها على يقين بأنه كما هرب الإخوان من السجون، فإنهم سوف يهربون من القصور، بحسب البيان.
كما يجزم الكثير من الاقباط بأن ما يجري هو عقاب على مشاركة الأقباط في كل الأحداث السياسية واندماجهم في الرفض الشعبي لنظام "الإخوان"، مستشهدين بتصريحات قادة جماعة الإخوان المسلمين أيام أحداث الاتحادية والمقطم، عندما قال محمد البلتاجي إن 60 في المئة من المتظاهرين عند الاتحادية أقباط، ومن بعده خيرت الشاطر، الذي قال إن 80 في المئة من اللي عند الاتحادية أقباط.
"محاولة دنيئة" ولم يقتصر الغضب من تلك الاحداث على الاقباط فقط ، فقد أصدر الشيخ الدكتور سالم محمود عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف السابق، بيانا صباح اليوم الإثنين حول الأحداث التي وقعت في الخصوص وكذلك الاشتباكات التي تمت في محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، معتبرا أن ما حدث محاولة "دنيئة" لإحداث فتنة في مصر.
وقال الشيخ سالم عبد الجليل "بكل أسى نتابع ما يجري من أحداث تستهدف النيل من أمن الوطن واستقراره، وهي كثيرة متلاحقة يكاد لا يمر أسبوع إلا ونرى شيئًا مزعجًا، لا يخدم المصلحة الوطنية، وغالبها بدوافع سياسية، وتنافس على السلطة، لكن عندما تطال هذه الأحداث وحدة الامة المصرية ويستغل الدين لإحداث الفتنة بين أبناء الوطن كان لا بد من وقفة".
وأضاف الشيخ سالم "بالتأكيد ما حدث في الخصوص ومن قبله في شبرا والأمس في محيط الكاتدرائية لا يعبر عن الشعب المصري الاصيل، الذي يتمتع أبناؤه بالطيبة والاخلاق الحسنة وحسن المعاملة، ولا يقره الدين، الذي جاء لاسعاد البشر، والذي دعا إلى التعايش في سلام ووئام، وأعطى كل مواطن حقه في العيش الكريم وأمر بالحفاظ على الأنفس والأعراض والأموال لكل المواطنين بلا استثناء".
ومضى الشيخ سالم قائلا "إن الذي يحدث هو محاولة دنيئة من بعض أصحاب الأغراض الخبيثة لإحداث فتنة في مصر، ولن يتمكنوا من ذلك، بإذن الله، وعلى الجميع أن يقوم بدوره ويتحمل مسئوليته تجاه ما يجري". داعيا الدولة للقيام بدورها من خلال معاقبة الفاعلين .
من جانبه أكد عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر المصري إن ما حدث أمام الكاتدرائية بالعباسية يثير غضب المصريين جميعا ، ومأساة مؤسفة تشير إلى فشل المجتمع والدولة في التعامل مع قضايا المواطنة والمواطنين وتأمين حياتهم.
وتساءل موسي، عن صاحب المصلحة في أن يفسد العلاقة الوطيدة بين المسلمين والمسيحيين، مؤكدًا أنهم مجموعة متآمرة من المجرمين ضد الدولة والمجتمع، لافتًا إلى أن تكرار مثل هذه الحوادث سيكون له أثر بالغ على النسيج الوطني.
كما أدانت حركة "عرب بلاحدود" كل المحاولات الإرهابية الآثمة لجر الشعب المصري إلي فتنة طائفية ومذهبية من خلال افتعال خلافات غير مبررة، ومعارك طائفية وتحركات مريبة، والدين الإسلامي والمسيحي بريئون منها، وكل من يقوم بها فهو موجه من القوي المعادية لاستقرار وأمن مصر ومسيرة شعبها للحصول على الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
وقالت الحركة في بيان لها:" لقد هالنا ما رأيناه في منطقة الخصوص من معارك طائفية لا تعبر إلا عن حالة من العدوان على مسار الوحدة الوطنية التي ارتضيناها في وطننا عبر قرون طويلة من التعايش والمودة والسلام بين أبناء الوطن الواحد على إختلافاتهم الطائفية والمذهبية."
مؤامرة ضد مرسي يأتي ذلك في الوقت الذي صرح فيه الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل رئيس حزب الراية - تحت التأسيس، بأن الهدف من أحداث الفتنة في مصر سواء في مدينة الخصوص بمحافظة القليوبية، واشتباكات الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ووقوع ضحايا بين مسيحيين ومسلمين، بالإضافة إلى أحداث دار القضاء العالي من اشتباكات بين حركة شباب 6 أبريل وقوات الشرطة، هدفها المؤامرة ضد الرئيس محمد مرسي.
وقال أبو إسماعيل خلال تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي ''فيسبوك'': ''واضح جدا أن هذا التوالى للمؤامرات ولفتن خاصة مسألة النائب العام وأحداث العنف وغيرها يدعونا إلى إعلان ثورة جديدة كاملة تحسم بها كل الأمور وتستقر وتسد بها أبواب الفتن وتقمع بها الذئاب الكاملة تنتظر الإنقضاض، وتوضع بها النظم الكافية لطهارة مؤسسات الدولة دون تربص أو وقوع فى التفسيرات الضيقة لنصوص قانونية لا تتسع لما تتطلع إليه الثورات من إصلاح حاسم، و لكل مخلص أن يظل على استعداده ورباطة دفعا للفتنة ومنعا لضياع مكاسب مصر من وراء الثورة''.
قلق دولي هذا وقد أعربت مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عن قلقها إزاء أحداث العنف التي اندلعت أمس بمحيط الكاتدرائية القبطية بالقاهرة.
وأوضحت آشتون أنها أجرت اتصالاً هاتفيًا مع الرئاسة المصرية مساء أمس فور سماعها بالأخبار و"دعتها بقوة إلى ضبط النفس وسيطرة قوات الأمن على الوضع"، بحسب بيان لآشتون الليلة الماضية وصل مراسلة الأناضول نسخة منه.
وقالت إنها "في غاية القلق إزاء أحداث العنف في كاتدرائية العباسية"، معربة عن تفهمها لاتصال الرئيس المصري محمد مرسي برئيس الكنيسة القبطية البابا تواضروس وإدانته للعنف. واختتمت بيانها المقتضب بالقول "كل أفكاري مع الضحايا وأسرهم".
ويسود الود العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر بصفة عامة، لكن تطرأ بين الحين والآخر بعض الخلافات والنزاعات . وفي النهاية يجب أن ندرك جميعاً أن العلاج الناجع في مثل هذه الاحداث هو تطبيق القانون وتفعيله على الجميع، أيا كانت ديانة الجاني أو المجني عليه، وهو ما دعت إليه العديد من الفعاليات المختلفة، مشددة على أهمية التصدي بكل حزم لمحاولات إشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب المصري . لذلك فإن المسئولية تقع على الجميع ويتحملها الكل، سواء كانت حكومة أو رئاسة، أو قوى سياسية أو غيرها، ليكون علاجها جذرياً.
وبالتالي فإن على الدولة أن تنهض بمسئوليتها الكاملة لوأد هذه الفتنة والقبض على الفاعلين ومحاكمتهم علنيًا، والحكم على من تثبت إدانتهم - مهما كانوا - بأقصى العقوبة التي تجعلهم عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بالدين وبدور العبادة إسلامية أو مسيحية .