نشطت الحركات السياسية التي تعارض الرئيس الدكتور مرسي خلال الأسبوعين الماضيين لإعاقة التقارب المصري الإيراني، متخذة من مسألة نشر التشيع ذريعة لحركتها وفي المقابل فإن البعض ممن يؤيد الرئيس يشطط في تأييد التقارب فيصل به مداه الأقصى وحتى أبعد مما يدور بخلد الحكومتين المصرية والإيرانية والحقيقة أن كلا النظرين يحتاجان إلى إعادة ضبط فلا التقارب المصري الإيراني شر محض ولا هو خير صرف ولا معارضو التقارب حسنو النية تمامًا ولا مؤيدوه على درجة وعي كاملة بأبعاد القضية بالضرورة. قبل الثورة المصرية حدثت تجاذبات واسعة بين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عندما طالب الإمام يوسف القرضاوي إيران بالكف عن محاولتها الدعوة إلى التشيع داخل البلاد السنية وفي المقابل عرض وقف الدعوة إلى التسنن في الأقاليم الشيعية وكانت تلك بالتأكيد دعوة ممن لا يملك سلطة اللهم إلا سلطة العلم في مواجهة دولة تمول مراكز وهيئات وأشخاص في دول إفريقية وآسيوية وفي بعض دول أمريكا اللاتينية في الوقت الذي اقتصرت فيه جهود السنة للحفاظ على مذهبهم في مساع فردية وتبرعات لا تستطيع أن تمر عبر الحسابات البنكية الدولية بسبب كلمة "الإسلامية" التي تسبق كلمة "المراكز"....... إذن هناك فعلًا مشكلة مع إيران بخصوص محاولتها نشر المذهب الشيعي في مناطق ودول السنة. إيران تساعد وتمول الشيعة في العراق ولكنها للحق لا تحاول تعميق الخلاف بينهما لأنها تسعى إلى التمكين الكامل الناعم للشيعة في العراق مع إبقاء البلاد دون تقسيم بحيث يظل السنة قليلًا مستضعفين بينما الدولة بكامل قوتها تصب في مصلحة "الأمة" بمفهومها الشيعي. في نظري فإن التحالف السوري الإيراني لم يكن أبدًا تحالفا مذهبيًا فليس خافيًا أنه كان تحالفًا مقصودًا به مواجهة إسرائيل وبينما كانت إيران جادة في المواجهة فإن سوريا وجدت في إيران ضالتها في وسط أغلبه له علاقات عسكرية مع إسرائيل خاصة مع اجتياح الأخيرة لبنان كل حين الأمر الذي لم يوقفه سوى صواريخ إيران التي أطلقها على شمال إسرائيل مقاتلو حزب الله ، لذلك كان دفاع إيران عن النظام السوري جزءًا من المعادلة الاستراتيجية مع إسرائيل بالمفهوم الإيراني خشية التغير المفاجئ الذي ربما يفرز نظامًا مواليًا للغرب، وهو ما يفسر التغير في خطاب الردع الإيراني الذي انخفض بعد الثورة السورية نتيجة الضعف العسكري في سوريا من محو إسرائيل من الخريطة إلى محو عدة مدن فقط وربما اضطرت إيران نتيجة ذلك الضعف أن تخفض مستوى وجودها العسكري هناك. فإن أضفنا إلى تلك المشكلات مشكلة إيران مع دولة الإمارات بخصوص الجزر الثلاث التي تدعي إيران أن حاكم رأس الخيمة باع بموجب عقد جزيرتين منهما وهما طنب الصغرى وطنب الكبرى بينما يقف الدكتور سلطان مستجديًا حركة الدولة هناك لتسوية مشكلة جزيرة أبو موسى بينما تقف الإمارات موقفًا سلبيًا من هكذا مباحثات لتخرج الجامعة العربية كل مرة ببيان تدين فيه احتلال إيران الجزر الثلاث. وتظل مشكلات السنة الإيرانيين في الداخل أيضًا غصة في نفس السنة في الخارج بسبب مدى التضييق والتوقيف المستمر لهم خصوصًا في المناطق الحدودية مع باكستان وفي إقليمي الأهواز وبلوشستان. على الوجه الآخر من مشهد تقييم العلاقات مع إيران نجد الأخيرة عدوًا استراتيجيًا جادًا لإسرائيل، يمتلك من الخبرة في التعامل مع الدولة العبرية ما لم تمتلكه أي دولة عربية حتى الآن فلم تجرأ لا إسرائيل ولا أمريكا على توجيه ثمة ضربة له خلال عشرين عامًا، وفي المقابل كان هو دائم التهديد لهما بمحو الأولى من الوجود وبإغلاق مضيق هرمز في وجه سفن الشحن التي تحمل البترول إلى الثانية، ولعل التربص الإيراني بالدولة العبرية يجعل منها بكل تأكيد حليفًا لكل أعداء ذلك الكيان الإجرامي الطفيلي الغاصب. من ناحية ثانية فإن إيران الذي يزيد عدد سكانها على المائة مليون في أمس الحاجة إلى حليف تجاري جاد وقوى لتجعل منه سوقًا وكيلًا لمنتجاتها التي يقتلها الحصار وبطبيعة الحال تستقبل سلع ذلك الحليف في أسواقها الأقوى في منطقة الشرق الأوسط كله، ولعل المتعجبون من النقلة الاقتصادية الكبرى لتركيا يزول عجبهم عندما يعلمون أن السبب الرئيسي في الرخاء التركي كان هو حصار إيران التي وجدت ضالتها في السلع التركية عبر الحدود، وعليه فإن استراتيجية اقتصادية مع إيران يمكن أن تحل المشكلة الاقتصادية المصرية من ناحيتين الأولى أن تعتمد إيران على مصر في تسويق منتجاتها عبر محور قناة السويس وهي بهذا تستقطب نحو ثلاثمائة مليار دولار هي حجم استثمارات الإيرانيين في دبي ومن ناحية أخرى يستطيع المصنعون المصريون أن يعتمدوا على السوق الإيراني في تصريف منتجاتهم مباشرة التي ربما تصل إلى أرقام عالية تبررها طبيعة الحصار على الدولة "المارقة عن السياسة الأمريكية". إن إيران النووية لم يعد من الممكن تجاهلها كرقم صعب في الشرق الأوسط تشرف على أعماق عالمه العربي من جنوبها وتطل على أوروبا من غربها ثم هي تتصل بالصين وباكستان ودول وسط آسيا الإسلامية من الشرق والشمال، إنها دولة عظمى بالفعل من ناحية عدد السكان وتنوعهم من حيث الدين والجنس واللغة وهي قوة عظمى إقليمية من حيث الثروات والقوة العسكرية والموقع الجغرافي وقد أضافت لمصادر القوة تلك نهجها السياسي الذي يكاد أن يقترب من مضمون الديمقراطية لولا الإرث المذهبي الذي شوه أفكار الثورة وانحرف بها ناحية التشدد. إن النظر إلى إيران من زاوية واحدة يفقد المسئولين عن إدارة ملف العلاقات القدرة على تقييم شامل لمزايا التقارب ومساوئه، فلا العلاقات مع إيران خير محض ولا هي شر مستطير، والأمر يحتاج إلى تفصيل وتقييم دون أن يكون للدهماء والعامة فيه تأثير خاصة أولئك الذين يجهلون طبيعة إدارة ملفات السياسة الخارجية. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]