من خلال إقامتي في كوريا الجنوبية في الفترة من يوليو 2005 وحتى أغسطس 2008، ومن خلال جولاتي في معظم المدن الكورية تعرفت على الكوريين وكيفية تفكيرهم لبعض الشيء، كانت تحدث بين الحين والآخر مظاهرات من أجل إخراج القوات الأمريكية المتمركزة في بوسان، ولكنها كانت تحدث على استحياء شديد وسرعان ما تفض بواسطة قوات مكافحة الشغب. لكن في الأعم الأغلب فالكوريون الجنوبيون مرحبون جدًا بالوجود الأمريكي، ولا يفسرونه على أنه منقصة من السيادة الوطنية بل يطربون لفكرة أنهم هم من يستغلون الأمريكيين، وفي عام 2008 انتقلت قيادة القوات المشتركة المتمركزة في كوريا إلى كوريا الجنوبية وقت السلم على أن تعود للأمريكيين وقت الحرب. التجنيد في كوريا الجنوبية إجباري بعد المرحلة الثانوية ولمدة سنتين يدخل بعدها الطالب إلى الجامعة، ولذلك فإلقاء نظرة أولى على الطلاب الكوريين في قاعات الدرس تعطى الانطباع بأنك في كلية عسكرية وليست مدنية من مدى التزام وانضباط الطلاب وكأنهم جنود في حضرة قائدهم. الأسر الكورية تبذل جهدًا جبارًا من أجل إلحاق أولادهم بالخدمة في الجيش الأمريكي وحتى وإن كان مراسلة وذلك من أجل تعلم وممارسة اللغة الإنجليزية. من الطبيعي جدًا أن ترى جنودًا أمريكيين يلهون في بارات أحد أحياء سيول، ويسمى إيتاوان وهو الحي المفضل للأجانب المقيمين في كوريا الجنوبية، وهو في نفس الوقت محل فخر الكوريين فالكوريون يذهبون إليه للتنزه ورؤية الأجانب، فكوريا ظلت مغلقة على نفسها سنوات طويلة وإلى الآن فعند الذهاب بعيدًا عن العاصمة سيول تجد أن الفلاح أو العامل الكوري البسيط ينظر للأجنبي وكأنه شاهد للتو أحد رواد الفضاء، الأطفال الكوريون يهللون بمجرد رؤيتهم لشخص أجنبي قائلين (ميجوج سارام) أي شخص أمريكي، ولكن بمجرد علمهم أن هذا الأجنبي ليس أمريكيًا فقد تظهر منهم بعض العنصرية والتعصب، الكوريون يؤمنون إيمانًا عميقًا بقوة أمريكا وفضلها عليهم لدرجة أنك من النادر جدًا أن ترى كوريًا جنوبيًا يسافر إلى أي بلد في العالم غير أمريكا للتعلم أو العلاج أو السياحة. الحكومة الكورية تعمل آناء الليل وأطراف النهار من أجل تحقيق اختراقات تكنولوجية واقتصادية جبارة ولا تضيع أي جهد أو مال في شراء أسلحة أو التخطيط لحروب لثقتها في مظلة الحماية الأمريكية، الجيش الكوري الجنوبي يطور أسلحة متطورة فعلى سبيل المثال يصنعون دبابات غير مأهولة سرية الطلقات، حيث يمكن قيادتها من على بعد ويوجد بها ذراع آلي لشحن مدفعها بالطلقات، وكذلك صناعة أحد أنواع طائرات إف 16 مخصصة للتدريب. وتصدرها لدول مثل تركيا، الكوريون الجنوبيون يعملون بإخلاص شديد ويأكلون ويشربون في نهاية الأسبوع بشراهة ونهم شديدين، وكأنهم يأكلون في آخر زادهم وكان القيامة ستقوم بمجرد الانتهاء من تناول الطعام، الحكومة الكورية الجنوبية أقامت منشآت صناعية على الحدود مع الشمال وهناك عمال ومهندسون وموظفون يذهبون لعملهم كل يوم في الشطر الشمالي، ويعودون بعد انتهاء الدوام، المواطن الشمالي يعيش على أمل الهروب من الشمال إلى الجنوب، والكثيرون يقتلون على الأسلاك الشائكة المكهربة ومنهم من ينجح في الهرب من خلال التسلل إلى الصين ثم اللجوء إلى الملحقيات الدبلوماسية للجنوب عند الوصول إلى كوريا الجنوبية يصدم المواطن الشمالي من مدى الرفاهية التي يتمرغ فيها إخوانه الجنوبيون، الحكومة الجنوبية أقامت وزارة للوحدة والجنوبيون مشتاقون للوحدة من أجل إنهاء حالة الحرب مع الشمال ولاستغلال العمال الشماليين الفقراء كأيدي عاملة رخيصة ومن أجل استكمال بناء إمبراطورية ضخمة تنافس كل من اليابان والصين. حكومة الجنوب اعتادت على إرسال مساعدات للشمال في شكل آلاف الأطنان من الأرز المنتج في الجنوب، وكذلك الدواء والسيارات الفارهة للمسئولين الشماليين، الشمال يعيش في فقر مدقع ونظام قمعي لا يرحم فبالنظر إلى العاصمة بيونج يانج من خلال خرائط جوجل تجد مباني جميلة وفنادق شاهقة ولكنها في الغالب خاوية وشوارع فارغة قلما ترى سيارة أو أتوبيس نقل عام يمشي فيها. وعند الابتعاد عن العاصمة تجد أكواخ وعشش الفلاحين الفقراء، حيث يعيشون بدون ماء أو كهرباء أو طرق، الجيش الكوري الشمالي أكثر عددًا وتدليلًا، ولكن الشعب الكوري الشمالي هو الأفقر على الإطلاق في آسيا، ومن تتاح له فرصة الهرب للخارج لا يفلتها لدرجة أن الحكومة الكورية الشمالية تبعث رقابة شديدة من المخابرات والأمن مع لاعبي المنتخب الكوري الشمالي لكرة القدم عند سفرهم للخارج حتى تمنع اللاعبين من الهرب، وككل النظم الشمولية في العالم فالمسئولون الحكوميون يعيشون في رفاهية بالمقارنة بباقي فئات الشعب. هناك أيضًا على يوتيوب فيديوهات عدة صورت خلسة في كوريا الشمالية توضح الكثير من الحقائق عن كوريا الشمالية ومدى البؤس والانعزال الذي يعيشه الشعب الكوري الشمالي، الرئيس الشاب كيم يونج وان والذي ورث قيادة البلاد خلفًا لأبيه عن جده يجد استهتارًا شديدًا من قادة الدول المجاورة، وهو فقط يقوم بمحاولات من أجل دفع تلك الدول لمعاملته بشكل لائق ومن أجل الحصول على مساعدات أوقفت، بسبب تجاربه البالستية الأخيرة.. لن تقوم حرب في شبه الجزيرة الكورية، لأنها لو قامت سيتحطم الجيش الكوري الشمالي الذي يمتلك أسلحة ومعدات بدائية بالمقارنة بالسلاح الغربي التطور بغض النظر عن امتلاك السلاح النووي، والذي لن يستخدم أبدًا خوفًا من انتقام أمريكي قد يتسبب في محو كوريا الشمالية تمامًا من الوجود، إن قامت حرب وهو احتمال ضعيف جدًا، سيثور الكوريون الشماليون على الحكومة التي ستضعف قبضتها إن غامرت بدخول حرب بجنود بأمعاء خاوية يدينون بالولاء التليفزيوني لقياداتهم خوفًا وكرهًا ومع أول طلقه سيسلمون أنفسهم للجنوبيين إن لم يقاتلوا اصلًا ضد وحداتهم، فالشعب الكوري الشمالي تواق للحرية ولربيع حقيقي ليس كربيع الثورات العربية التي انتهت بتحطيم دول وإعادتها إلى الوراء أو بوصول نظم استعلائية للحكم تفتقد للخبرة وتمتلك فقط مشاريع وهمية، أنظمة جاءت، بسبب سوء البدائل الأخرى، أنظمه لا تستحي من التعامل بأدوات النظم البائدة رغم أنها كانت معارضة له لدرجة أعادت الاعتبار لرموز تلك النظم في أعين الكثيرين من مواطني تلك الدول، ما يحدث الآن هو بداية للسلام والوحدة بين الكوريتين ولكن بشروط الشمال ومن أجل حفظ ماء وجه الديكتاتور الجنرال الشاب أمام شعبه وأمام رجال نظام أبيه وجده فالرجل تواق للحرية وللسفر للخارج وللمتعة ولابد من فعل ما يفعله الآن حتى يجد له مقعد على طاولة المفاوضات القادمة. – أمين عام حزب العمل الجديد بدمياط