من غيرِ (دَبِّ) صوتٍ فإن الفريق الإعلامي الرسمي - دائما- على أهبة الاستعداد، وتحت الطلب، ولا شك أن الجاهزية في أي مؤسسة صفة محمودة، إلاّ إذا كانت نابعة من إذعانٍ مطلقٍ للأمر، وإن كان مخالفا للمنطق والتاريخ والواقع، ويندرج تحت ذلك الفزعات والشَّومات عند مَن لم يُعرفوا بها، خصوصا إذا كانت في غير محلها، وإلاّ فإن الحمية خُلَّة مطلوبة وممدوحة في الرِّجال ابتداءً. لم يقل عصام العريان كفرا، ولم يأتِ بِبِدْع من القول ، وإنما أعاد إلى الذاكرة ما حصل فعلا على أرض الواقع، ولم يأتِ ذلك منه عفو الخاطر، وإنما تناقلته الأجيال شفاهةً، وحفظته الوثائق، وقامت عليه البراهين. نعم، هَمَدت جُذوة الخلافة، وتسلل النُّعاس إلى طَرْفِها، وغَفَتْ عن نواحيها وولاياتها، وأطل الاستعمار بنابه ومخلبه على المنطقة، فطمس آمال حُلفائه العرب الحالمين بإنشاء الدّولة العربية الكبرى في بلاد الهلال الخصيب، وخرج الأمير فيصل من سوريا بعد معركة ميسلون مع الفرنسيين23/7/1920م مطرودا، وكانت بريطانيا قد وضعت يدها على فلسطين وشرق الأردن والعراق. صارت السيطرة الاستعمارية على المنطقة أمرا واقعا، وكان على بريطانيا أن تضبط الأوضاع في شرق الأردن، ودور هربرت صموئيل مع القيادات المحلية في اجتماعي السلط، أم قيس لا ينكره أحد، حيث أُنشئت الحكومات الخمس التي لم تصمد طويلا،إلى أن جاءت محاولة الأمير عبدالله القادم من الحجاز لاستئناف المسيرة(الثورة)، لولا تهديدات فرنسا بالتدخل، ودور بريطانيا في كبح جماح الطموحات، والاكتفاء بتأسيس إمارة شرق الأردن، وقمع التمرد في الكورة والطيبة وبني، حسن وهذا ما كان، فاستقام الأمر على هذا الأساس. ما قاله العريان مجرد إلماحةٍ وعنوانٍ عريض، الخوض في تفاصيله ينكأُ الجراح، ويُدمي القلب، ويستفزُ المشاعر الحرة، لكن السؤال المطروح الآن: ما الذي دفع العريان للقول،وأجبره على التخفف من مرارة الحقيقة التي بين يديه، فيما يتعلق بالمشهد المصري، والموقف العربي المخجل منه إلى هذه اللحظة؟!! التسريبات الإعلامية لا تأتي من فارغ، والراصد للتفاعلات السياسية الجارية في المنطقة يجمع المعلومات والتصريحات والمواقف، ثم يُقابل بينها، ويخرج منها باستنتاجات موضوعية تقول: إن هناك حلفا إقليميا ودوليا قد تشكل بعد أن استعاد توازنه المفقود تحت وطأة المفاجأة التي سببتها التحولات المتسارعة في المنطقة العربية غايته: إجهاض ثمرات الثورات المنتصرة أولا، ومنع انتصار الثورة المشتعلة ثانيا، وإحباط الثورات أو التحولات المتوقعة في المنطقة ثالثا. وعليه فإن الخطاب الرسمي الأردني قد دخل في انعطافة كاملة قُبيل التّسريبات، بفوز أحمد شفيق على مرسي، مرورا بحكومة الطراونة الارتدادية على مشروع الإصلاح الذي كان النظام أعلن عنه، كبادرة إيجابية للتساوق مع الأماني الشعبية، وانتهاء بالموقف المزدوج من القضية السورية، وذلك باللعب على ورقة اللجوء الإنسانية، وورقة عدم التدخل في الشأن الداخلي لما فيه من محاذير أمنية. الخطاب الرسمي، وفي أعلى مستوياته بات يشكل مصدرا للقلق، فيما يتعلق بالمعادل السياسي الداخلي، والعربي على السواء، فالراشح من الأخبار حول تدريب الأردن لعناصر أمنية، وعسكرية سورية من غير الإسلاميين لضبط الإيقاع في سوريا، بعد سقوط الأسد أمر جالب للحيرة، ويؤكد هذا حالة البرود في العلاقات الأردنية القطرية حصريا، باعتبارها داعما قويا لدول الربيع العربي، ويؤكده أيضا الموقف المخزي لمجلس النواب من القمة العربية في قطر، وما ترتب عليها - ولو شكليا - فيما يتعلق بالقضية السورية. ويوازي ذلك كله في الخطورة التصريحات المتكررة، التي تُحذّر بوضوح وإصرار من سيطرة الإسلاميين في المنطقة على الحكم - بحجة التطرف - حتى لو جاءوا عبر صناديق الاقتراع، ويتبع ذلك التوترات المُفتَعلة مع الديمقراطية والشرعية المصرية، ومحاولة لي الذراع بشأن العمالة الوافدة، كخطوة لتعميق الأزمة وتعظيم فرص إفشال الإدارة الجديدة هناك. إن هذه الأمور كلها تُشكل عوامل استفزاز كافية للإدانة، وهي داعية للتصعيد الإعلامي وغير الإعلامي، ودافعه قطعا للطرف الآخر كي فتح الدفاتر القديمة. على الإعلام والموقف الرسمي الأردني أن يستعيد توازنه، ويضبط إيقاعه، على نبض الشعوب العربية، ويعيد حساباته في ضوء المعطيات القائمة، لا في ضوء الأماني والأحلام والوعود الموهومة، لأن التحولات الجارية في الوعي وفي الواقع حقيقية، لا تلغيها الأماني، ولا تنفيها الأحلام، ولا تجهضها الوعود المغامرة. كما عليه أن يحترم مشاعر الأردنيين الذين لا يرضيهم مثل هذا الأداء، ولا تُسعدهم مثل هذه المواقف، وهم الشهود العدول على ما يجري، وديدنهم الإنصاف من أنفسهم، والانتصار لأمتهم وعقيدتهم التي حوربت طويلا، وحلّت بشائر عودتها، وهناك من بنيهم من يعرقلها، وهم لا يتوقعون من راسمي السياسة أن يتسببوا بكل هذه الاختلالات للآخرين، ثم يتوقعون منهم الثناء والتقدير!!! ما حصل أننا لم نقف على الحياد - وليتنا فعلنا - بل ضربنا الآخرين أمانيهم بمستقبلهم، وابتدأنا مشوار الخصومة، ثم سبقناهم لنشتكي ردة الفعل، وغضبة الحليم، وما هذه للأردنيين بخصلة ولا خُلق، وقد نُهوا عنها، وهم مؤمنون بصدق الناهي، ومنتهون عمّا نهى عنه، حين قال: وإذا خاصم فجر، [email protected]