هل لدينا إعلام خارجي؟ هل في مقدورنا أن نتعامل بشكل جيد في وسائل الإعلام الأجنبية، وهل الخطاب الإعلامي المصري يتسم بالحرفية والمهارة عند التحدث مع الآخرين خارج الحدود.. أم أننا اكتفينا بأن نخاطب أنفسنا ونتعامل مع الآخرين على أنهم يجب أن يتقبلوا كل ما نقوله بدون نقاش أو تفكير باعتبار أننا نتميز بالصراحة والشفافية دائمًا، وأننا لا نخفي الحقيقية عن أحد حتى لو كانت في غير صالحنا..! إن الكثير من الأزمات التي مررنا بها أكدت لنا أننا لا نملك إعلامًا خارجيًا مؤثرًا وواعيًا، وأننا لا نتعلم أبدًا من تجارب هذه الأزمات في تطوير الخطاب الإعلامي وخاصة الذي يتم توجيهه إلى الغرب. ففي قضية مثل الصراع العربي الإسرائيلي كنا دائمًا نعتقد في عدالة قضيتنا ونصّر على أنها قضية واضحة وأن العالم كله متعاطف معنا ما عدا قوى الإمبريالية والاستعمار بالطبع، ثم فوجئنا بعد تكشف الحقائق وبعد الهزيمة أن العالم كله لم يكن يعرف إلا أن هناك دولة صغيرة هي إسرائيل محاطة بالعديد من الدول العربية التي تريد الإجهاز عليها وتدميرها وإلقائها في البحر!! وأتضح أنه لم يكن هناك شرحًا دقيقًا للمشكلة ولا تعريفًا بحقوق الفلسطينيين المسلوبة ولا معلومات محددة يتم تقديمها لوسائل الإعلام الغربية ولا أفراد يملكون القدرة والمهارة على توصيل هذه المعلومات. وحتى في قضية بسيطة مثل الخلاف القائم بين مصر والجزائر بسبب مباراة كرة القدم، فإن أسلوب "الردح الإعلامي" البدائي الذي اتبعه البعض انعكس علينا في شكل استهجان وإدانة بدلا من أن يكون هناك خطابًا إعلاميًا حضاريًا مدعمًا بالمستندات والحقائق يساهم في تحسين صورتنا وفضح تجاوزات واستفزازات الآخرين..! ونحن نعتقد أن سفاراتنا ومكاتبنا الإعلامية في الخارج لديهم القدرة على القيام بدور الإعلام الخارجي المطلوب، وهو اعتقاد خاطئ ومضلل، لأن الدبلوماسيين لا يملكون الجرأة والمهارة وحرية القرار في التحدث لوسائل الإعلام الأجنبية أو الرد على ما يذكر فيها أو المبادرة بالتوجه إليهم، ومعظم من يعمل في السلك الدبلوماسي يفضل الابتعاد عن التعامل مع وسائل الإعلام من منطلق البقاء بعيدًا عن الأضواء والمشاكل والوقوع في الخطأ..! وقبل عدة سنوات توجهت إلى سفير لنا بإحدى الدول العربية برجاء أن يظهر في تلفزيون هذه الدولة ليشرح موقف مصر الرسمي بشأن بعض القضايا العربية خاصة وأن هناك الكثير من الانتقادات العربية الإعلامية كانت موجهة للموقف الرسمي في التعامل مع الاستفزازات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة، فكان رده أن عليه أن يحصل على الإذن أولاً من وزارة الخارجية قبل أن يظهر في برنامج تلفزيوني ويتحدث..! ولأن حصوله على هذا الإذن لم يأتي بسرعة فإن البرنامج أذيع بالطبع بدون أن يتحدث هذا السفير أو يهتم كثيرًا بأن يتحدث..! وما يقال عن الدبلوماسيين يقال أيضا عن المكاتب الإعلامية التابعة للهيئة العامة للاستعلامات والموجودة في العديد من السفارات، فهي ليست أكثر من إهدار للمال العام، والذين يذهبون للعمل في هذه المكاتب لا يتمتعون بالخبرة أو المهارة الإعلامية اللازمة، فمعظمهم من الموظفين الذين يشغلون هذه المناصب بالأقدمية، وبعضهم أيضًا تكون خبراته مقتصرة على مجال الإعلام الداخلي في حملات مثل تنظيم الأسرة ويتم إرساله للعمل في بلاد لا يعلم عنها الكثير فيظل متقوقعًا داخل مكتبه مكتفيًا بالتقارير المكتبية التي تتناول ما يكتب في صحافة هذه الدول والتعليق عليها، وهي مهمة ربما كان لها ما يبررها فيما مضى، أما الآن فبعد عصر الانترنت والفضائيات والهواتف المحمولة فإنه لا قيمة لهذه التقارير الصحفية التي ترسل في الحقيبة الدبلوماسية ولا يوجد من سيهتم بها أو يقرأها بعد أن أصبحت قديمة وغير ذات قيمة..! إن إعلامنا الخارجي في حاجة عملية مراجعة وتطوير شامل، وإذا لم تستطع الاستفادة من الكوادر الإعلامية التي لها خبرات وعلاقات خارجية متشعبة ومنتشرة في تدعيم هذا القطاع، فإننا يجب أن نبدأ في إعداد وتدريب دفعات جديدة من الإعلاميين لهذا الهدف، وأن يتم إرسالهم للتدريب والإطلاع في المؤسسات الإعلامية الدولية، وإذا لم نتمكن من ذلك فعلينا أن نلجأ إلى الأسلوب الآخر الذي تتبعه بعض الدول العربية، وهو تأجير وكالات وهيئات إعلامية دولية متخصصة عند الحاجة للترويح لأنفسنا في أي قضية، فسوف يكون ذلك على أية حال أرخص وأوفر وأكثر تأثيرًا من عشرات المكاتب الإعلامية المنتشرة هنا وهناك بلا هدف أو فائدة..! [email protected]