متي سنكف عن خداع أنفسنا، ومتي سنعرف حجم إمكاناتنا وحدود تحركنا.. ومتي سنتحرك بواقعية وعقلانية وفهم في معالجة أمورنا وقضايانا..! إننا لا نتعلم من تجارب ودروس الماضي، ولا نستفيد من أزماتنا ونظل دائما علي نفس قناعاتنا، ونفس اعتقادنا بأنه من الممكن خداع الرأي العام والكذب عليه طوال الوقت، وكأنه أيضا غير موجود.. وغير ذي تأثير..! ويحدث ذلك لأننا نتعامل في كل هذه القضايا بمنطق الهواة و"الفهلوة" بعيدا عن لغة العلم والأرقام والدراسات وأهل الخبرة.. ففي الرياضة مثلا كانت معركتنا الكبري الخاسرة في صفر المونديال نتاجا لهذا الأسلوب حين تعاملنا في هذه القضية من خلال هواة و"أرجوزات" باعوا لنا الوهم وطافوا القري والمحافظات للتسويق للملف المصري، ونسوا أن المعركة في الخارج وأنها تستلزم وجود شركات متخصصة في العلاقات العامة وفي الاتصالات تتولي هذه المهمة وتقدم النصيحة وتوظف وتستثمر القدرات المصرية كما فعلت دولة قطر التي استوعبت درس الاخفاق المصري فأسندت إدارة الملف القطري بأكمله إلي محترفين من الخارج عرفوا أصول وقواعد اللعبة وأجادوا التعامل معها بوسائلهم الخاصة.. ولأننا لا نجيد إلا التصفيق لأنفسنا والكذب أحيانا أخري علي أنفسنا ومجاملة بعضنا البعض فإننا نجعل من أنفسنا موضعا للسخرية والتندر كما حدث مؤخرا في مهرجان القاهرة السينمائي الذي يصفونه ب"الدولي" الذي جاء بفيلم "شوق" للفنانة سوسن بدر والمطربة روبي ليمنحه جائزة أفضل فيلم، ولا مانع أيضا من أن تمنح الممثلة سوسن بدر جائزة أفضل ممثلة مناصفة مع الفنانة الفرنسية أيزابيل لوبير في نوع من الانحياز للبلد الذي نظم المهرجان، وهو ما يفقد المهرجان احترامه عالميا ويحوله إلي مجرد مهرجان يعرض الأفلام الأجنبية في دور السينما دون حذف المشاهد التي سيقوم مقص الرقيب بالتخلص منها بعد ذلك..! ولأننا لا نخاطب إلا أنفسنا فقط في كل القضايا ونستمتع بخداع أنفسنا، فإن إعلامنا صورة من الواقع لم يتغير كثيرا منذ إعلام 1967 الذي صور لنا إسرائيل علي أنها دولة كرتونية نستطيع هزيمتها بسهولة، وصحونا علي هزيمتها لنا في دقائق، فإن هذا الإعلام مستمر في نفس سياسات خداع الرأي العام وأصبح لدينا نوع جديد من الإعلام لا يهتم بمخاطبة الرأي العام واحترام عقلياته وقناعاته، ومراعاة مشاعره واتجاهاته، بل أصبح لدينا إعلام متخصص فقط في الحديث إلي صناع القرار وإلي المسئولين والحصول علي إعجابهم ورضائهم وليس مهما بعد ذلك ماذا يقول الناس وماذا يعتقدون! وإحدي الصحف اليومية العريقة ذهبت إلي أبعد حد ممكن في هذا الاتجاه، عندما نشرت ما أسمته استطلاعا للرأي حول الانتخابات البرلمانية الأخيرة تقول نتائجه إن 80% من الناس قالوا إنهم يشعرون بالرضا لنتائج الانتخابات وأن 20% فقط يرفضونها.. ومن استطلاع غريب ومستفز لأن حالة الرضا لم تكن أبدا بهذه النسبة المرتفعة وأن هناك وجهات نظر كثيرة تتعارض مع هذا الاتجاه، وأن هناك قناعات متزايدة لدي البعض بانه لم تكن هناك في الأصل انتخابات بالمعني المتعارف عليه.