أعرف د عبد المنعم أبو الفتوح من أكثر من ثلاثين عاما كنت طالبا بالمرحلة الثانوية بمدينه دمنهوروكان هو طبيب مجند بالقوات المسلحة وفى أجازاته كان يصطحب معه أصحابة ورفاقه المقربين لزيارة المدن والأقاليم فى طول مصروعرضها لجمع الشباب الملتزم حو ل فكرة الإصلاح المتمثلة فى مدرسة الإخوان إذ كان الشباب الملتزم وقتها موزع بين الجماعات..وبدا فى جولاته هذه كضياء البدر فى ظلمه الحيرة..كان كعادته دائما مهيب الطلعة بشوش الطلة..ثم تفرقت بنا السبل ووزعتنا الأيام..وكان أن أكرمني الله بشرف صحبته والعمل إلى جواره مشرفا على الأنشطة الثقافية فى دارالحكمة متطوعا..واقتربت منه كثيرا..كانت السنون داخل السجن وخارجه قد أكسبته الكثيرمن الفهم العميق والإحاطة التامة بفكرة الإخوان والمجتمع والناس..كان قلقا بدرجة كبيرة على انتشار ظاهرة التدين الشكلي وغياب العمق الأخلاقي للدين فى سلوكيات الملتزمين وكان يحمل نفسه وجيله مسؤولية هذا النمط من أنماط الاتصال بالدين ..وكانت صلته الوطيدة برجالات الإخوان الأوائل قد أظهرت له قدر السماحة والمياسرة التى كان عليها جيل الأستاذ البنا خاصة فى السلوكيات الاجتماعية..وهو مما دفعه أكثر للاقتراب الحميم بالمجتمع ورموزه وكياناته..تعويضا عن السلوكيات الأولى لجيله والقيام بحق التبليغ على أوسع نطاق حتى يتعرف الناس على حقيقة الإسلام العظيم كما كان يردد دائما وكان كثيرا ما يستلهم الآية الكريمة(وماذا عليهم لو أمنوا بالله واليوم الأخروأنفقوا مما رزقهم الله ..) مؤمنا بيقين بسهوله اقتراب الناس عامة والمصريون خاصة من هذا الدين الحنيف وأخلاقياته السمحة العظيمة. وهذه النهج تحديدا اعتبره البعض تساهلا إلى درجه تقترب من الإهمال وانطلقوا يحذرون من خطورة نهج د عبد المنعم ابو الفتوح على جماعة الإخوان..وكنت قد انشغلت بتتبع هذه المفارقة الغير صحيحة فاكتشفت أن نهج د عبد المنعم هو نهج البنا وأصحابه الأوائل ومن طول صحبتي للأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ محمد الدسوقى والحاج عباس السيسى والأستاذ فريد عبد الخالق- (معلم الإخوان)كما كانوا يلقبونه فى حياة الأستاذ البنا - تأكدت لدى هذه الحقيقة على نحولا يقبل الشك..وتأكد لدى أن ناقدي د عبد المنعم هم المغايرون والبعيدون عن نهج المؤسس الأول ومدرسه الوسطية والمياسرة ..أذكرأنه دعانى ذات مرة لحضورمسرحية الملك ليروكانت تعرض فى المسرح القومى وأثناء الطريق قال لى (أعزمك زى ما كان الحاج عباس السيسى يعزمنى على السينما) وحكى لى أنه حينما كان يحضرمن الإسكندرية لحضورجلسات مكتب الإرشاد..كان يصطحبه معه إلى جولة فى وسط البلد ليتخيروا فيلما نظيفا يشاهدانه..وحين ذهبنا سويا لتهنئة الراحل نجيب محفوظ بعيد ميلاده قال لى فى طريق العودة أليس هذا هوالتواصل الجميل مع الناس الذى كان يحرص عليه الأستاذ البنا..؟ ومضى الرجل فى طريقه منتهجا نهج الإخوان الأوائل لا يلتفت للأصوات الغريبة عن قناعاته..إذ كان صوت البنا فى قلبه وأوردته..وماضى البصيرة غلاب..إذا اشتبهت مسالك الرأى..لكن ذلك كله لم يكن كافيا أمام مشكلة حقيقية اعتبرها أنا وكثيرون غيري(أم المشاكل) فى تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة وهى(محنة65)والتى لم تسفرلنا إلاعن حرمان الأمة من عملاق من عمالقة الفكرالعربى فى العصر الحديث..الشهيد سيد قطب..وتكون(بؤره حديديه)داخل الكيان التاريخى لجماعة الإخوان تحمل فى تكوينها ملامح بعيدة عن مدرسه البنا الأولى وانتهى الحال إلى ما نعلمه جميعا..من محاولات الأستاذ عمرالتلمسانى الدؤوبة لتغييرهذه الملامح وإعادتها الى طبيعتها الأصلية..ويبدو أنه لم يحالفه التوفيق الكامل حتى فى محاولاته المستمرة لغرز د.عبد المنعم بينهم ولا أدرى هل بعدا منهم عن د عبد المنعم أم بعدا منه عنهم. لكن واقع الحال يقول أنه لولا المناخ الخانق الذى نعيشه لرأينا جماعة الإخوان النموذجية تشق مساراعريضا داخل المجتمع يتقدمه د عبد المنعم أبو الفتوح وصحبه فيما يعد امتدادا أمينا لقاطرة الأستاذ عمرالتلمسانى..وجماعة (الإخوان 65 )وهم مخلصون وأشداء وقد أثرت فيهم محنه 65 تأثيرا عميقا وتركت فى نفوسهم ما لا يمكن محوه بسهوله..لكنهم فكرا وحركة بعيدون عن نهج الأستاذ البنا وهذا واقع حال ولا داعى للالتفاف حوله وهو أمرلا يعيب أحد ولا يسيء الى أحد ولكن من المهم وضع العنوان الصحيح على الطريق الصحيح. وغير ذلك لا يبدو الأمرأمينا بالقدر الكافي.لا أريد الإطالة فى هذا الأمرو تفاصيله فهو متروك للأيام والسنين القليلة القادمة ومرتبط بدرجة كبيرة بتغيرالمناخ السياسي العام فى المجتمع..لكننى حزين على أخلاقيات الوفاء والفروسية التى تعد مدرسة الإخوان خير نموذج لها ..حزين على شرف الصداقة وصداقه الشرف.حزين على زمن العشرة الأصيلة بين الرجال الكبار..وألف قبلة على رأس البطل النبيل كما سماه شباب الإخوان وقت اعتقاله الأخير..ولايعرف المعروف إلا ذووه. وكل امرئ يوما إلى الله صائر.