متحدث الوزراء: الحكومة تراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية المختلفة    الزراعة: مصر اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من اللحوم البيضاء    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    الكنيست يصادق نهائيا على قطع الكهرباء والمياه عن «الأونروا»    بأوامر سياسية، جيش الاحتلال يعلق بعض عملياته في غزة حتى عودة نتنياهو من فلوريدا    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    نجم الأهلي السابق: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور في مباراة أنجولا    3 مباريات للفراعنة بالكان بدون صلاح = تعادلات منذ 2017.. فيديو    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    القبض على الأب المتهم بخطف نجله بكفر الشيخ.. وإعادة الطفل لوالدته    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    فرح كروان مشاكل على حفيدة شعبولا يتحول إلى تحرش وإغماء وعويل والأمن يتدخل (فيديو وصور)    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    رسميًا.. السودان تتأهل لدور ال16 من أمم أفريقيا    ماركا: برشلونة يستهدف ضم فلاهوفيتش الصيف المقبل    أحمد موسى: خطة تدمير سوريا نُفذت كما يقول الكتاب    زاخاروفا: الرد على هجمات نظام كييف الإرهابية لن يكون دبلوماسيا بتاتا    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    ترامب يحذر إيران من إعادة ترميم برنامجها النووي مرة أخرى    استقالة محافظ البنك المركزي الإيراني بعد احتجاجات في طهران    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    ترامب يحذّر حماس من «ثمن باهظ» ويؤكد التزام إسرائيل بخطة الهدنة في غزة    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    ضبط عنصر إجرامي مطلوب في قضايا جنائية وصلت أحكامها 85 سنة سجنا بقنا    اللجنة المصرية في غزة: الأمطار أصبحت كابوسا يلاحق كل مواطن يعيش في خيمة بالية    هيئة الدواء تبحث مع غرفة صناعة الدواء تعزيز الرقابة على المواد الخام الدوائية    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    لقطات جديدة من مسلسل اتنين غيرنا للنجمين آسر ياسين ودينا الشربينى.. صورة    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    مصر والسودان تتفقان على تعزيز الاستثمارات والتبادل التجاري وإنشاء مناطق لوجستية    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    أسود الأطلس أمام اختبار التأهل الأخير ضد زامبيا في أمم إفريقيا 2025.. بث مباشر والقنوات الناقلة    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    فوضى السوشيال ميديا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا نهضة علمية من دون "مشروع حضاري وطني"
نشر في المصريون يوم 19 - 05 - 2006


دقِّقوا معي ولاحظوا أنّني قلت: لا نهضة علمية بدون مشروع حضاري وطني، ولم أقل لا تطوير أو لا تحسين في التعليم أو شيئاً من ذلك، إذن فالعنوان يقودنا إلى ضفاف الحديث عن شروط تحقيق نهضة علمية وطنية شاملة لا مجرّد إحراز قدر من التطوير أو التحسين في بعض جوانب التعليم، وسنبرز بعض الأدلة والبراهين على صحة ما نقول وسنحشد عدداً من الممارسات التطبيقية في عدد من المجتمعات والدول. وقد سبق لنا تقرير أنّنا نحتاج إلى استخدام أدوات مبتكرة في التفكير؛ ُتعيننا على التحليل والتشخيص والتطوير الشامل والمعالجة الذكية لمشاكلنا وأزماتنا، واقترحنا (التفكير الاستبصاري) كأحد أهم تلك الأدوات، وهو لون راقٍ من التفكير يقوم على تحديد أبعاد المعادلة الحرجة، والتي منها تحديد (الحدث الحرج) الذي يشير إلى القضية التي تنطوي على درجة كبيرة من الخطورة، أو توّلد الأسباب الكبرى لمشكلة أو معضلة ما، أو تتضمّن سراً من أسرار الحل الذكي والعلاج الناجع. والأحداث الحرجة منها القائم أو الموجود فعلاً وهنا يكون دورنا هو الاستعداد لها واستغلالها، ومن الأحداث ما يحتاج إلى إحداث وصناعة وفي هذه الحالة يتوجّب علينا القيام ب (الجهد الثقافي) من أجل صناعته نظرياً وبلورته عملياً بمشاركة كافة الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتأسيساً على ذلك نبادر بالقول بأن الحدث الحرج في مسألة التعليم والذي يجب علينا صناعته وبلورته هو (المشروع الحضاري الوطني). المشروع الحضاري الوطني .. خطة تحضر! المشروع الحضاري الوطني هو خطة حضارية واقعية - في سياق المسار الحضاري للوطن - تنتظم رؤى وأهدافاً محددة مربوطة بوسائل تحقيقها في ضوء معطيات الواقع ومؤشرات المستقبل، ويستهدف ذلك المشروع رفع سقف التحضُّر والتمدُّن في المجتمع وفق ثوابت المجتمع وثقافته ومزاجه؛ من خلال تعبئة الوجدان بوقود التحضُّر وتفجير الطاقات الخلاّقة واستغلال الموارد المتاحة وتمتين شبكة العلاقات الاجتماعية وتفعيلها وبناء الهوية والاعتزاز الوطني وغرس جذوة التحدي الحضاري. هذا هو المنشود المفقود! إن قلة العناية بالمسألة الحضارية في فضائنا الثقافي تؤدِّي ضمن آثار خطيرة أخرى - إلى ضعف ارتسام مفردات المشروع الحضاري العربي الإسلامي في ذهنية ووجدان الإنسان العربي، ومن ثم ضعف إمدادات ذلك المشروع لروحه وعقله، ونخص الإمدادات التي تمت بصلة إلى مسائل وقضايا العلم والبحث والتنقيب والتجريب في بنية المعرفة بشقّيها الإنساني والكوني (!). وضعف الارتسام المشار إليه آنفاً قد يكون ضعفاً عاماً بمعنى انعدام أصل وصورة مشروع التحضر في ذهنية ووجدان ذلك الإنسان، وربما يكون ضعفاً جزئياً يحدث من جراء انعدام وجود الوشائج المعرفية والمنهجية بين مفردات ومقتضيات ومنطلقات مشروع التحضُّر وعملية الممارسة العملية في الجوانب العلمية والتربوية. لماذا نشتغل ببطاريات الأصبع؟ لو كثّفنا تحليلنا للمشروع الحضاري في ضوء مسألة التعليم، لأمكننا القول بأنّ ضعف ارتسام مفردات المشروع الحضاري العربي الإسلامي يؤدِّي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى فقدان المتعلم العربي في مجتمعنا لل(البوصلة والشحنة الحضارية) التي تهديه وتعينه على تغذية سيره العلمي وتأمُّلاته البحثية الرامية إلى تلمُّس سبل النهوض الحضاري لوطنه وأُمّته. إنّ عدم صدور المتعلم من مشروع حضاري يؤمن بمنطلقاته ومفرداته، ويتطلّع إلى بلوغ مراميه وغاياته يفقد ذلك المتعلم الشعور ب (التحدي الحضاري)، ذلك الشعور الدافق الذي يكسبه طاقة روحية وعقلية ضخمة تحفّزه على العمل والإنتاج وتشعره بلذة مميزة للإنجاز وتمنحه نكهة فريدة في تحقيقه لذاته الفردية والجمعية. أمّا المتعلم الفاقد لذلك الشعور فإنّه يقف حتماً عاجزاً عن التزوُّد بأكثر من وقود (تحدٍ شخصيٍ)؛ يدفعه إلى التعلم وممارسة العمل البحثي بتثاقل نفسي ووجداني، وخمول فكري وعلمي، حيث يرى المتعلم أنّ دراسته مجرّد وسيلة للحصول على وظيفة تكسبه قوته، وينظر الباحث إلى أبحاثه على أنّها أداة لتحقيق ذاته وحصوله على ترقية علمية أو منحة مالية ونحو ذلك! لقد عايشت تلك المعاني وعانيت منها ردحاً من الزمن، فمن ذلك أنّني أتذكّر جيداً عندما كنت مبتعثاً للدراسة في بريطانيا، أتذكّر كفلق الصبح كم كان الفارق كبيراً بيننا كطلاب عرب وبين طلاب بعض الدول الآسيوية كالصينيين واليابانيين والماليزيين والكوريين الجنوبيين، لقد كنا وأعني الأكثرية ولا أعمّم - مزوّدين ببطاريات صغيرة أشبه ما تكون ب(بطارية الأصبع) التي بالكاد تشغل جهاز (الجوال) أو (اللعبة الصغيرة)، في حين كان أولئك الطلاب مزوّدين ببطاريات ضخمة يبدو لي أنّها تستخدم لتشغيل النفاثات أو المعدات العملاقة! والمفارقة العجيبة أنّ قاماتنا كانت أطول من قاماتهم غير أنّ سقوف طموحاتنا كانت تتقازم أمام سقوف طموحاتهم، وهنا سر الأسرار ومكمن الدهشة التي يجب أن توصلنا إلى خيط التشخيص وكبسولة العلاج! والحقيقة أنّ هنالك مؤشرات كثيرة تبيّن حجم التأثير الكبير لغياب المشروع الحضاري على المشهد العلمي والبحثي في عالمنا العربي، فمن ذلك الإحصائيات التي تشير إلى أنّ نسبة الأبحاث إلى كلِّ مليون شخص كان 11 بحثاً في العالم العربي في عام 1981، وقد أصبح العدد 26 في عام 1995 أي أنّه بلغ 2.4% ضعفاً، في حين زادت الأبحاث في كوريا الجنوبية بمعدل 24 ضعفاً (د. محمد الصوفي، التعليم العالي والبحث العلمي، موقع تقرير التنمية الإنسانية العربية)، ألا يعود ذلك الفرق الهائل إلى تبنِّي الكوريين لمشروع حضاري وطني ناضج؟ من المؤكد أنّ تبنِّي الكوريين لمشروعهم الحضاري يفسّر لنا هذه النتائج المذهلة، حيث بدأ الكوريون في الثمانينات الميلادية بالدخول إلى ساحة التنافس العلمي والتقني، ففي يناير عام 1973 أعلن (بارك شانج - هي) عن مشروع حضاري كوري جنوبي يستهدف رفع نصيب الفرد إلى 1000 دولار والصادرات إلى عشرة مليارات بحلول عام 1980، وقد استطاع (المجتمع الكوري الجنوبي) أن يحقق تلك النتائج المبهرة بتحقيقه النتيجة المستهدفة في نهاية 1977، ومن الأعمال الإيجابية التي قام بها بارك أنّه شجع المسؤولين المؤهلين والموهوبين على الانخراط في وضع الخطط التفصيلية والبرامج ولم يمنحهم الصلاحيات فقط، بل قام بحمايتهم من تأثير (الضغوط الخارجية) على (المخطط الوطني) وذلك ليتيح لهم فضاءً كافياً ليمارسوا عملية التخطيط بشكل منهجي وعلى نحو إبداعي ومستقل تحقيقاً لمصلحة المجتمع الكوري الجنوبي لا مصالح مصاصي الدماء، دولاً كانوا أم مؤسسات (Han Sang-Jin, 1998، انظر الترجمة: السيد عبد العليم أحمد، مركز الأهرام). قد يكون ما سقته من الأدلة والتطبيقات كافياً وقد لا يكون كذلك، مما يجعلنا ملزمين بالمضي قُدُماً في طريق البرهنة على صحة ما نقول من أنّ النهضة العلمية الحقيقية الشاملة تفتقر إلى وجود مشروع حضاري، وهذا ما سنجهد لتحقيقه في مقال قادم. * كاتب وأكاديمي سعودي ([email protected])

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.