كشف تقرير صدر حديثا عن مكتب المفتش العام الأمريكي حول أشكال التمويل الموجهة من المعونة الأمريكية لمصر عن تلاعب المنظمات الحقوقية المصرية بالأموال التي تحصل عليها من المعونة مباشرة دون أن يتم إنفاقها في المصارف المحددة لها من قبل الجهات المانحة للمعونة، مشيرا بالاسم إلى المنظمات المتورطة في هذه العملية. وناقش التقرير الذي حصلت "المصريون" على نصه الأصلي في ثمانية فصول أداء الجهات الرسمية وغير الرسمية المستفيدة من الدعم المالي الذي تقدمه الوكالة الأمريكية للتنمية "هيئة المعونة الأمريكية" حيث أشار إلى تقديم 73 منحة حقوق إنسان و8 اتفاقيات تمويل مع جهات حكومية في مجالات حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد والشفافية، والانتخابات والعمليات السياسية والمشاركة والتربية المدنية والحكم الرشيد ودعم اللامركزية، وقد بلغت نسبة الأهداف التي حققتها المنظمات الحقوقية 56%. وحسب التقرير، فقد تراوح حجم التمويل للمنظمات غير الحكومية بمصر ما بين 192 ألف دولار إلى 1.4 مليون دولار خلال العام المالي 2008، حيث حققت المنظمات المستفيدة من الدعم 65% من المستهدف من أعمالها، مشيرا إلى ما حققته أغلب هذه الجهات من نجاحات كبيرة في زيادة فرص الحوار بين منظمات المجتمع المدني وصناع القرار والقادة الدينيين والمجتمع المحلي وتنظيم مناقشات حول الديمقراطية داخل قطاع الإعلام، ورصد الانتخابات النصفية بمجلس الشورى والانتخابات المحلية بنفس العام. لكنه ألمح إلى خطورة الاستمرار في التمويل المباشر الذي أدى إلى تعدد حالات الالتباس وعدم الشفافية التي يصعب معها متابعة طرق صرف الأموال، والتي لم يستبعد في ظل الغياب الحقيقي للرقابة عليها أن تذهب لتمويل "الإرهاب"، على حد قوله. ومن المنظمات التي انتقدها التقرير مركز "النقيب للتدريب والديمقراطية" الذي تلقى 618 ألف دولار لتعزيز سلامة العملية الانتخابية عن طريق تدريب 2000 فرد لرصد انتخابات مجلس الشورى في عام 2007، ومع ذلك فإن المستفيدين الحقيقيين لم يزيدوا عن 40% من العدد المذكور، بالإضافة إلى عرقلة الجهات الحكومية أدائهم لدورهم الانتخابات. أما برنامج توجيه المنح للمجتمع المدني فقد حصل على تمويل 1.2 مليون دولار من أجل طبع وتوزيع 60 ألف كتاب للأطفال داخل المدارس، إلا أن الحكومة علقت توزيع الكتب ورفضت وزارة التضامن الاجتماعي طلب البرنامج، حيث كان هناك اتفاق على تدريب 600 معلم ومعلمة و30 ألف طالب بالثانوية العامة والفنية لتوعيتهم بضرورة المشاركة المدنية و المحلية في حين لم تنجح إلا في تدريب 330 مدرسا و2000 طالب فقط، ونجحت فقط في تحقيق 51% من نصف أنشطتها المخططة. وتطرق التقرير إلى برنامج المعونة الأمريكية لدعم الصحافة والإعلام والتي توجه ل12 جهة، ورأى أن كثيرًا منها لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه، وأشار إلى حالتين الأولى هي المركز الدولي لتدريب الصحفيين الذي حصل على 1.4 مليون دولار ولم يقدم بيانات واضحة حول عدد الصحفيين المتلقين بالتدريب، وأشار إلى رفض أغلبهم التوقيع على أوراق تثبت تلقيهم تدريب من جهة مدعومة من وكالة أمريكية وقال إنه اقترب من الرقم المستهدف و هو 3000 صحفي في حين أن عدد الصحفيين المقيدين بنقابة الصحفيين 5000 فقط. وأوصى التقرير باستجواب القائمين على هذه المنظمات وإعادة التقييم المالي واسترجاع الفوائض وأشار أن على كل من يتلقى تدريب أو مساعدة أن يوقع على هذا بصورة واضحة. أما الحالة الثانية فتتعلق بمركز التدريب بدار "أخبار اليوم" الذي تلقى مساعدات مالية لشراء المعدات والبرمجيات والتدريب والتدريس قدرها 19 ألف دولار، وأشار إلى أنه بالرغم من قيمة المعدات التي تم تخزينها، فإن الشركة لم يكن لديها سجل وصول لتوفير الحد الأدنى من الحماية والحفاظ على المحتويات، وأضاف أن المعدات لم تستخدم لأغراض التدريب المقصود. وكشف أن هيئة المعونة الأمريكيةبالقاهرة قدمت التمويل لثلاث هيئات أهلية كبرى في مصر قامت بدورها بتوزيع التمويل على 105 متلقى فرعي في شكل منظمات صغيرة، وحذر من إمكانية استخدام هذه الأموال التي يتم صرفها دون شفافية لدعم الإرهاب أو أن تصل له في غفلة من الإدارة الأمريكية، وحدد منظمات معينة، ومنها المنظمة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وجمعية الأفق الجديد للتنمية الاجتماعية، والمركز الدولي للصحفيين، وهي منظمة أهلية أمريكية ناشطة في مصر. يذكر أن الوكالة الأمريكية ليست وحدها المهتمة بتمويل المجتمع المدني المصري، لكن هناك جهات أخرى لا تبتعد كثيرا عن عيون الإدارة الأمريكية، فهناك المؤسسة الوطنية لدعم الديمقراطيةNED التي تأسست عام 1960، والتي رفع الرئيس السابق جورج بوش ميزانيتها عام 2004 إلى 80 مليون دولار بهدف دعم الديمقراطية في العالم الإسلامي، وكذلك المعهد الجمهوري الدولي(IRI) والمعهد الوطني للشئون الدولية (NDI) والمركز الدولي للمشاريع الخاصة والمركز الأمريكي للتضامن العمالي الدولي(acils). وكانت المؤسسة الوطنية الأمريكية ناشدت عام 2007 ممثلي المجتمع المدني في كل أنحاء العالم بالإعلان عن نشاطهم وكشف مصادر تمويلهم وسبل الصرف، وقامت بدورها بالإعلان عن كامل المنظمات التي تتلقى منح منها على مستوى العالم، وفى نهاية العام الماضي قامت المنظمة بتمويل 16 منظمة مصرية بإجمالي 600 ألف دولار ذهبت أغلبها لجمعيات مثل مركز الأرض والمركز المصري لاستقلال القضاء ومركز مساعدة السجناء. كما واظبت خلال سنوات سابقة على تقديم المنح للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ويرأسها حافظ أبو سعدة ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ويرأسه بهي الدين حسن والمركز المصري للدراسات الاقتصادية وجماعة تنمية الديمقراطية ويرأسها نجاد البرعي والمركز المصري لدعم المرأة ومركز ابن خلدون لدراسات التنمية و يرأسه الدكتور سعد الدين إبراهيم، وهى نفس المؤسسات التي أثير من قبل حديث عن إعلانها قبول 6 مليون دولار دعم من السفير الأمريكي لحقوق الإنسان في مصر عام 2005. كذلك أكد التقرير حصول رابطة حقوق الإنسان وتطوير المجتمع المحلي على 25 ألف دولار من أجل عقد ورشة لمدة يومين لتدريب 25 ناشطا من عشر محافظات داخل مقر الرابطة على سبل تعزيز اللامركزية وتفعيل الأداء المحلى كما حصلت جمعية آفاق جديدة للتنمية الاجتماعية على 300 آلاف دولار لتعزيز ثقافة المسؤولية المدنية ضمن المناطق التي تعاني نقصا في القاهرة القديمة وذلك لمدة عام وحصل مركز "ماعت" على 250 ألف على أجندة برنامج واحد هو حفز مناقشة وتوجيه الاهتمام إلى حقوق السجناء في مصر. يذكر أن الإدارة الأمريكية منذ عام 2004 اتخذت قرار بدعم توجهات الديمقراطية واللامركزية بدول "الاعتدال" بالمنطقة وعلى رأسها الدولة المصرية التي تحصل على ثاني أكبر مخصص بالحسابات المالية الأمريكية الخارجية عقب إسرائيل وذلك اعتقادا أنها الوسيلة الفعالة لدحض ثقافة الإرهاب، وتم مضاعفة التمويل الخاص الموجه للمنظمات الحقوقية بزيادة قدرها 79% فتضاعف حجم الأموال المخصصة من 24 مليون دولار في الفترة من 1980 1999 إلى 181 في الفترة من 2004 2012. كما اتخذ الكونجرس الأمريكي قرار منتصف عام 2007 أن المخصصات المالية الذاهبة للمجتمع المدني بالدولة المصرية يجب أن تذهب في صورة منح مباشرة دون ربطها بالمسألة الحكومية التي تتحمل الجزء الأكبر من المشكلات التي تواجه عمل المجتمع المدني وتم مضاعفة عدد الجهات المستفيدة من 15 منظمة إلى 73 إلا أن الإدارة الجديدة ما لبثت وعدلت عن قرارها بالمنح المباشر، ورأت أن الأمر تسبب في غياب للشفافية وإمكانية تقضي أساليب صرف التمويلات و طالبت مرة أخرى بالتدخل الحكومي الممثل في وزارة التضامن الاجتماعي، وقررت بداية 2009 تخفيض الميزانية من 14 مليون دولار إلي 6‚ 4مليون دولار، و بحد أقصى لقيمة المنحة الواحدة إلى 60 ألف دولار فقط في حين وصلت خلال العام الماضي كان يصل إلي 500 ألف دولار. وكان جيمس كندر، المدير المساعد للمعونة الأمريكية إلى مصر صرح للجنة في مجلس النواب في مايو 2006 أن المنظمات القبطية غير الحكومية حصلت على 2.2 مليون دولار كتمويل مباشر من المساعدة الأمريكية، ولكن هذا الرقم تافه إذا ما تم مقارنته بما يجاوز البليون دولار التي تم إنفاقها على منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية منذ بدأ البرنامج عام 1975 !