المنهاج هو الطريق الواضح والبين والمستقيم.. ولذلك كان لابد للمنهاج الحق من استقامة المعايير.. ودقة التطبيقات على الحالات والمفردات.. وفي المنهاج القرآني إزاء التعامل مع "الآخر".. كل "الآخر" التمييز بين ألوان الطيف في مواقف فصائل وتيارات ومذاهب هذا "الآخر".. إنطلاقًا من منهاج{لَيْسُوا سَوَاءً}.. وذلك لتحقيق العدل، الذي يتنافى مع التعميم والإطلاق في الحكم على الآخرين.. لقد طلب القرآن الكريم مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن لكنه استثنى من ذلك الذين ظلموا من هؤلاء الكتابيين { ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: 46).. ومع تصنيف القرآن للهيود بأنهم مع المشركين الأشد عدواة للذين آمنوا { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا} (المائدة : 82) فلقد ميز في اليهود عندما قال: إنهم {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 113 115).. كذلك ميز المنهاج القرآن في الموقف من النصارى بين الذين كفروا وأشركوا عندما اتخذوا المسيح وأمه عليهما السلام إليهن من دون الله.. وبين الذين هم أقرب مودة للمؤمنين {ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبَاناً وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . وإذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (المائدة : 82 83).. وكذلك حال المنهاج القرآني المستقيم في معاييره .. الصارم في تطبيقاته حتى مع المشركين.. ففي آيات سورة "التوبة" "براءة" التي زعم البعض أنها قد شرعت للعنف والقتل والقتال ضد "الآخر".. وأنها لذلك قد خلت من "البسملة" التي تذكّر بالرحمة ! .. في آيات هذه السورة، التي عرضت للموقف من المشركين، نراها قد التزمت المنهاج القرآني في التمييز بين أنواع ومواقف هؤلاء المشركين.. 1 فهناك المشركون المعاهدون "المحترمون للعهود".. وهؤلاء لهم مع شركهم الوفاء بالعهود والمعاهدات { إلاَّ الَذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً ولَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ} (التوبة: 4).. 2 وهناك المشركون المحايدون، الذين لم يتعرفوا على الإسلام..وهؤلاء تقدم إليهم المعرفة، وتبلغ لهم الدعوة، ثم يتركون أحرارًا في أمان المسلمين حتى يحددوا مواقفهم في حرية ودون إكراه { وإنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (التوبة: 6).. 3 أما المشركون المعتدون، الذين فتنوا المسلمين في دينهم، وأخرجوهم من ديارهم، ونقضوا العهود ولا عهد ولا أمان فهؤلاء الذين يقاتلهم المسلمون، ردًا لعدوانهم وكفًا لشرورهم.. لأنهم { لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةً وأُوْلَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ} (التوبة: 10).. ذلك أن هذا الصنف من المشركين هم الذين نقضوا العهود.. واعتدوا على المؤمنين، واحترفوا نقض المعاهدات { كَيْفَ وإن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاًّ ولا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ . اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (التوبة: 8 9) هكذا ميز القرآن الكريم بين مواقف الآخرين يهودًا ونصارى ومشركين .. وحدد صفات كل فصيل.. وهكذا تميز المنهاج القرآني باستقامة المعايير.. والعدالة في تطبيقات هذه المعايير حتى مع الأعداء من المخالفين..