تُعلن غدا.. نتيجة تنسيق المرحلة الأولى 2025-2026 من خلال المؤتمر الصحفي ل «التعليم العالي»    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    مرور ميداني على 5 مراكز تكنولوجية بالفيوم.. ماذا وجدت التنمية المحلية؟    بعد ارتفاع الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 2 أغسطس 2025 في الأسواق وبورصة الدواجن    وزير الإسكان يتفقد وحدات «سكن لكل المصريين» والطرق بمدينة برج العرب الجديدة    إيران: الحوار وتبادل وجهات النظر بين إيران وثلاث دول أوروبية بخصوص القضايا النووية مستمر لكنه واجه ظروفًا معقدة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    التحقيقات تكشف سبب وفاة طفل منشأة القناطر بعد العثور على جثته ببركة مياه    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    عمرو دياب يوجه كلمة ل عمرو مصطفى ويشكره خلال حفل العلمين (تفاصيل)    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    5 أعراض ل سرطان الكبد قد لا تلاحظها بسهولة.. احذرها    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في التدريب حتى منتصف أغسطس    حارس الزمالك يرفض الرحيل في الميركاتو الصيفي    مدرب نيوكاسل: أعرف أخبار إيزاك من وسائل الإعلام.. وأتمنى رؤيته بقميص النادي مجددا    شركة خدمات البترول البحرية تنتهي من تطوير رصيف UGD بميناء دمياط    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ب الشرقية    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    في 16 قرار.. تجديد وتكليف قيادات جديدة داخل وحدات ومراكز جامعة بنها    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    79 مليون خدمة طبية لمنتفعي التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    رئيس جامعة المنوفية يصدر 7 قرارات جديدة بتعيين وتجديد تكليف لوكلاء الكليات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    الهيئة الوطنية للانتخابات: تواصل دائم مع السفراء لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ بالخارج    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنقية الفكر الإسلامي من شغب القدماء
نشر في صوت البلد يوم 02 - 07 - 2010

وأحدثت الكثير من الشغب الفكري إذا جاز التعبير واستنفدت الكثير من الجهود في الصراعات الفكرية الداخلية، الأمر الذي صرف الكثيرين من أهل العلم الإسلامي عن الاهتمام بما هو أولي وأجدي في عالم الأفكار.. فضلاً عن حرمان الأمة من اجتماع علمائها في كثير من القضايا علي كلمة سواء، ومن هذه القضايا الخلافية القديمة قضايا:- خلق القرآن؟.. أو قدمه؟- ورؤية المؤمنين لله، سبحانه وتعالي يوم القيامة.
ولقد قال بخلق القرآن عدد من الفرق الإسلامية مثل المعتزلة والشيعة والخوارج ورفض القول بذلك عدد من هذه الفرق، مثل الأشعرية والسلفية، وعموم أهل السنة والجماعة، وفي الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر هناك منهجان في التعامل مع مثل هذه القضايا الخلافية القديمة:
أولهما: ذلك المنهج الذي يحيي خلافات واختلافات القدماء، ويقف عند طرقهم في الاستدلال وأدلتهم في الاحتجاج فتظل الانقسامات القديمة قائمة في إطار الفكر الإسلامي المعاصر، وفي صفوف جماهير الأمة الإسلامية.
وثانيهما: ذلك المنهج الذي تبناه وطبقه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده عندما كتب "رسالة التوحيد" ذلك الكتاب النفيس والصغير، وهو منهج إعادة النظر في مواقف القدماء من هذه المشكلات والغوص إلي لب القضايا والاحتكام إلي الكتاب والسنة وتبيان أسباب اختلاف الفرق القديمة والمحاذير والاعتبارات التي دفعت الفرقاء المختلفين إلي الاختلاف والاجتهاد في تصفية علم العقائد الإسلامية من "شغب المتكلمين القدماء"، وذلك بالبحث عن المبادئ الجوهرية والصيغ والرؤي التي يمكن أن يتفق عليها مختلف الأطراف أو جمهورهم علي أقل تقدير.
وإذا نحن تبنينا هذا المنهاج، في النظر إلي قضية الخلاف حول خلق القرآن أو قدمه فسنجد أنها قضية وهمية لا محل لها إلا عند الغلاة من طرفي الخلاف، وسنجد أن هناك إمكانات كبيرة لاتفاق أهل الوسطية والاعتدال من كلا الفريقين علي القضايا الجوهرية في أمر القرآن الكريم حيال هذا الموضوع، ذلك أن أحدًا من الفرقاء الذين اختلفوا قديمًا حول هذه القضية لا يقول عن "كلام الله" إذا كان المراد به الصفة من صفات الله لا يقول عنه إنه حادث أو مخلوق.. بل إن الذين قالوا بخلق القرآن قد بالغوا في موضوع صفات الذات الإلهية ومنها صفة الكلام حتي جعلوها عين الذات وليست زائدة علي الذات حتي لا تكون هناك شبهة لتعدد القدماء.. إذن فالجميع لا يختلفون علي رفض وصف كلام الله إذا كان يعني هذه الصفة من صفات الذات الإلهية بالخلق والحدوث، وأيضًا فإن أحدًا من الفرقاء الذين اختلفوا قديمًا في هذه القضية لا ينكر أن الأصوات الإنسانية أصواتنا التي نرتل بها القرآن، هي مخلوقة وحادثة نكيفها نحن علي النحو الذي نريد ومثلها في الحدوث الأحبار والأقلام التي كتب بها القرآن والأوراق التي كتبت عليها السور والآيات.
ذلك هو جوهر القضية وهذه هي مساحة الاتفاق بين كل المعتدلين من مختلف الفرق الإسلامية، فالقرآن الكريم من حيث هو كلام الله المسند إليه سبحانه ومن حيث هو الوحي الذي نزل به الروح الأمين علي الصادق الأمين -صلي الله عليه وسلم- يمكن تحقيق الاتفاق في عصرنا علي أنه غير حادث ولا مخلوق والقرآن من حيث هو الأصوات الإنسانية التي ترتله، والأحبار والأقلام التي يكتب بها والأوراق التي يطبع عليها هو مخلوق ومحدث للقارئين والكاتبين والطابعين.
ويزكي هذا المنهاج، في معالجة هذه القضية أن الذين قالوا قديمًا بخلق القرآن، إنما صنعوا ذلك لفرط وإفراط الحرص علي نفي تعدد القدماء، ولقد بدأ سيرهم في هذا الطريق إبان وبسبب مجادلتهم للنصاري حول التوحيد، فلقد حاول النصاري الرد علي المعتزلة في هذا الجدال، عندما قالوا لهم:
- إن الله قديم وكلامه قديم وبما أن القرآن قد أطلق علي عيسي -عليه السلام: "كلمة الله" فهو قديم كالله فهو لذلك إله وابن إله.
وحتي يرد المعتزلة علي النصاري هذا الاستدلال، المبني علي المنطق الشكلي، نفوا قدم كلام الله وقالوا إنه مخلوق وذلك حتي يسدوا الباب علي أية شبهة لتعدد القدماء، وذهبوا علي طريق "سد الذرائع" إذا جاز التعبير إلي الحد الذي جعلوا فيه كل صفات الله عين ذاته مخافة فتح الباب لأية شبهة من الشبهات التي تؤدي إلي تعدد القدماء.
وإذا كنا اليوم غير ملزمين بالملابسات التي أفرزت هذه الخلافات القديمة في الفكر الإسلامي، ولا بأن نبعث ونعيش الأفعال وردود الأفعال التي عاشها الأقدمون من علماء الأمة، فإننا نستطيع أن ننفي عقيدة الأمة حول القرآن بتبني وإبراز المبادئ الأساسية المتفق عليها في هذا الموضوع، فكلام الله كصفة من صفاته وكوحي منه إلي رسوله -صلي الله عليه وسلم- ليس بالحدث ولا المخلوق، والقرآن من حيث هو الأصوات الإنسانية التي ترتله، والأحبار التي تكتبه والأوراق التي تحمل سوره وآياته محدث ومخلوق، أما عيسي -عليه السلام- فإنه "كلمة الله" أي خلق الله، لأن الكلمات في المصطلح القرآني من معانيها المخلوقات: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} (لقمان:72).. أي مخلوقات الله، فالمخلوق هو عيسي بن مريم وليس كلام الله كصفة من صفاته ووحي منه إلي الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام.
وهكذا نجد أنفسنا أمام منهاج في التفكير يبحث عن جوهر القضايا ويقدم فيها الرؤي التي تجمع ولا تفرق مكتشفًا بذلك مساحة الأرض المشتركة والكلمة السواء، التي يمكن لعلماء العصر أن يتفقوا عليها مع تجنب "شغب المتكلمين القدماء" والحذر من غلو الغلاة.
ولقد سبق إلي هذا المنهاج وإلي تطبيقاته كثير من علماء أهل السنة والجماعة، مثل العز بن عبد السلام•• انظر "طبقات الشافعية الكبري" ج5 ص86، 89، 94 - طبعة القاهرة الأولي.
وتأكيدًا لهذا المنهاج وتطبيقًا له كتب الإمام محمد عبده في "رسالة التوحيد" يقول في هذه القضية: "فمصدر الكلام المسموع عنه سبحانه لابد أن يكون شأنا من شئونه قديمًا بقدمه، أما الكلام المسموع نفسه، المعبر عن ذلك الوصف القديم فلا خلاف في حدوثه، ولا في أنه خلق من خلقه.. وأما ما نقل إلينا من ذلك الخلاف الذي فرق الأمة وأحدث فيها الأحداث، خصوصًا في أوائل القرن الثالث من الهجرة، وإباء بعض الأئمة أن ينطق بأن القرآن مخلوق، فقد كان منشأه مجرد التحرج، والمبالغة في التأدب من بعضهم وإلا فيجل مقام مثل الإمام أحمد ابن حنبل عن أن يعتقد أن القرآن المقروء قديم وهو يتلوه كل ليلة بلسانه ويكيفه بصوته "الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ج3 ص393، 394 دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة - طبعة دار الشروق - القاهرة - سنة 1414ه - سنة 1993م".
هذا عن معالجة هذا المنهاج لخلاف القدماء حول قضية الخلق أو القدم بالنسبة لكلام الله.
وبمثل هذا المنهاج العلمي الجامع يمكن معالجة الخلاف القديم الذي دار بين الفرق الإسلامية حول رؤية المؤمنين للذات الإلهية يوم الدين.
ذلك أننا إذا استثنينا الغلاة من المجسمة والمشبهة.. وأغلبهم قد انقرضوا الذين زعموا أخزاهم الله أن الله جسم كأجسامنا متحيز في المكان كتحيزنا حتي لقد حددوا مساحته -تعالي عن ذلك وتنزه- بالأشبار؟!
إذا استثنينا هؤلاء الغلاة من المجسمة والمشبهة فسنجد أن الذين نفوا رؤية الله يوم الدين إنما دفعهم إلي هذا النفي الحذر من أن يؤدي تصور ذلك إلي التجسيم والتشبيه والتحيز في المكان، لأن الرؤية بالأبصار لا تتأتي إلا للأجسام المتحيزة في مكان.
وسنجد كذلك أن الذين قالوا بحدوث الرؤية، رؤية المؤمنين لربهم يوم الدين قد قالوا إنها ليست كرؤيتنا في هذه الدنيا ولا بأبصار كأبصارنا في هذه الدنيا.
وسنجد أيضًا أن بعض الذين أنكروا الرؤية البصرية قد قالوا إن رؤية الله يوم القيامة هي بمعني العلم بذاته سبحانه بواسطة القلب، أي أنهم قد قالوا برؤية لا تستلزم التجسيد والتحيز في المكان.
أي أن ما خاف منه نفاة الرؤية قد تحفظ عليه الذين قالوا بها.. الأمر الذي يفتح الباب أمام تصور جامع في هذه القضية.. تصور يفسر قول الله سبحانه: {وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة} (القيامة:22، 23).
وفي ضوء قوله سبحانه: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} (الأنعام:103).. فرؤية المؤمنين لربهم يوم الدين، حقيقة قرآنية، لكنها ليست كرؤيتنا الدنيوية ولا هي بأبصار كأبصارنا الدنيوية ولا هي مما يلزم منها التجسيد والتجسيم والتشبيه والتحيز في المكان ذلك أن ذات الله وصفاته وكل أمور وحقائق ووقائع عالم الغيب ليس بينها وبين أمور وحقائق ووقائع عالم الشهادة إلا الأسماء فقط، أما المفاهيم والكنه والجوهر فتلك عوالم قد استأثر بها علم الله الكلي والمطلق والمحيط، لا العلم الإنساني الجزئي والنسبي.. ومحال أن يدرك العقل البشري الكنه والجوهر في حقائق عالم الغيب وغاية محطات وصول هذا العقل في هذه المقامات، أن يؤمن بالوجود لواجب الوجود، سبحانه وتعالي وأن يستدل بأعلام ومظاهر القدرة الإلهية والإبداع الإلهي، وهما مبثوثان في الأنفس والآفاق، علي صفات الكمال لواجب الوجود، خصوصًا أن اللغة أية لغة بسبب أنها مواضعات بشرية فقدرتها علي الوصف والتحديد هي قدرة نسبية.. والنسبي من العقل الإنساني واللغة البشرية يستحيل عليه أن يدرك الكنه والجوهر للمطلق والكلي والمحيط، خاصة عندما يتعلق بالذات والصفات للمولي سبحانه وتعالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.