الأصل أن العدالة معصوبة العينين غير أن بعض القضاة وبعض الأنظمة القضائية جعلت العدالة معصوبة العين الواحدة أشبه ما تكون شكلاً بموشى ديان الذى ضرب مصر قبل أربعين عامًا محاولاً إسقاط الدولة المصرية وممهداً لاحتلالها وإذلال شعبها. قبل عشرين عامًا تقريبًا تدثرت محكمة عراقية بغطاء القضاء وحصانته ونزاهته وطهارته.... إلخ ..فى الوقت الذى كان قضاتها مجرمين بالفطرة، فقد قضوا بإعدام نحو اثنين وأربعين تاجرًا بدعوى استغلالهم للحصار المفروض على العراق وقيامهم برفع الأسعار، وقد تم تنفيذ الحكم الذى صدر من القضاء الشامخ وقتها هناك وأعدم التجار بالفعل، وظن القضاة المجرمون "هناك" أنهم سيظلون بمنأى عن العقاب حتى لو تغيرت الأنظمة السياسية لأنهم طبقوا القانون الصادر من البرلمان العراقى والمرسومات الرئاسية، ولأن تلك "عقيدتهم القضائية" التى كونوها من واقع الأوراق على حد زعمهم، وبعد أقل من اثنتى عشرة سنة كان لفيف المجرمين من هؤلاء القضاة وأعوانهم ومن أمر بتكوين المحكمة ومن نفذ الحكم يلقون أحكامًا تتراوح بين الإعدام والسجن عقابًا لهم على حكمهم بإعدام الأبرياء، وقد استندت المحكمة فى حكمها أن فعل القتل الذى أمرت به المحكمة لا يعدو أن يكون عملاً ماديًا وليس فى الحقيقة حكمًا قضائيًا لأنه افتقد كل عناصر النزاهة والحيدة والالتزام بتطبيق القانون. وفى قضية مشهورة برأت محكمة العين الإماراتية الشيخ عيسى بن زايد من واقعة تعذيب أحد الأفغان وقالت فى معرض حكمها إن الشيخ المذكور كان تحت تأثير المخدر عندما قام بتعذيبه، وفدته باثنين من أصدقائه حكمت على كل منهما بنحو خمس سنوات رغم وضوح الفيديو الذى يبدو فيه الشيخ المذكور يعذب الأفغانى المسكين، وقيل يومئذ عن القضاء هناك ولم يزل يقال إنه القضاء الشامخ، وقد حدثت إدانات واسعة للجريمة وللمحاكمة، ويتشابه الحكم المتقدم مع المتأخر فى كونه مفتقدًا للأسس التى يمكن أن تصفه بأنه عمل قضائى حقيقى. أما فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فإن الشعب هناك لا ينتظر حتى يصل الأمر إلى تلك الدرجة من السوء لكى يقوم ب"تجريس" القاضى وفضحه على الملأ إذ يكفى أن يخطئ خطًأ مهنيًا جسيمًا حتى يصب عليه الشعب غضبته وتلاحق أحفاده جريمته وتستضيف "أوبرا وينفري" ضحاياه وتعرض الوقائع والمنطوق والأسباب من دون أن تكون ملاحقة بجريمة إهانة القضاة أو التعرض للأحكام القضائية بالنقد أو غيره وهو ما حدث مع القاضى ريتشارد بالومبو الذى لم يكد أن ينطق بقرار إخلاء سبيل مؤقت لزوج قامت الأدلة دامغة ضده لقيامه بلسع أجزاء من جسد زوجته بالنار ولم يقم بحبسه أو تمديد حبسه، وقد قامت الولاياتالمتحدة فى تلك القضية ولم تقعد بعد حزنًا على قيمة العدالة المفقودة وبالتأكيد فإن الولاياتالمتحدة ليس بها مصطلحات شموخ وقداسة بل هو موقر على أعلى تقدير. أما فى مصر فقد حكمت محكمة مؤلفة من قضاة ومدعين مصريين- أحدهم صار رئيسًا للوزراء بعد ذلك- قبل نحو قرن على عشرين فلاحًا بالإعدام والجلد أمام ذويهم فيما عرف إعلاميًا بحادث "دنشواى" وكان حكمها إرضاءً وغزلاً للمحتل البريطانى ومدًا لجسور التعاون معه "وقد تم" وسترًا لعورات التخابر والتجسس التى يقوم بها القضاة والمدعون فى المحكمة وبالرغم من أن جميع قضاة المحكمة كانوا مصريين وكانوا يطلقون على أنفسهم محكمة ويطلقون على ما أصدروه حكمًا قضائيًا وكانوا يطلقون على أنفسهم القضاء الشامخ وكان يتدثرون بالنزاهة والحيدة والموضوعية وكانوا يقولون أن حكمنا صادر بوازع من ضمائرنا ولا سلطان علينا لغير عقيدتنا القضائية، وكانوا يتوشحون بالوشاح الأخضر بل أكثر من ذلك فقد كانوا علماء قانون حقيقيين تخرجوا من جامعات فرنسا ومنهم من كان يحفظ القرآن ... ورغم ذلك كله فإن أحدًا لم يختلف أبدا على أنهم كانوا خونة فجرة وعملاء وقتلة. إن القضاء فى كل مكان فى العالم سواء المتقدم منه أو النامى يكون شامخًا بأحكامه التى تبنى المجتمعات لا بألفاظ تطلق عليه لتلصق به لفظ الشموخ كذبا وبهتانا وإن العدالة تتأبى أن يترك القضاة فى أى مكان ليحكموا كيفما شاءوا محصنين دائمًا ببعض المصطلحات والألفاظ التى تدفع الشعوب ثمنها من أرواحها ودماء أبنائها، لا يختلف أحد فى العالم على أن أجور القضاة هى الأكبر فى مقابل أن يكون حسابهم هو الأقسى والأشد، كما أن تأهيلهم ومؤهلاتهم تكون هى الأرقى والأعلى وعملهم هو الأنفع والأرفع، أما أن يتحول القضاة إلى مجموعة من المدللين المحصنين فهذا يؤدى بالتأكيد إلى انهيارات واسعة فى المجتمع خصوصا مجتمعات العالم الثالث التى لا تحتمل هزات عنيفة قد لا تستطيع البلاد الفقيرة الثبات فى وجهها فتكون بين نارين...نار احترام أحكام القضاء ونار منع النتائج الكارثية الناشئة عن عبثية تلك الأحكام فلا يكون أمامها سوى تغليب الآخرة على الأولى فتضطر إلى مواجهة القضاء وتطهيره. إذا وجدتم العنف فى دولة من دول العالم الثالث ينتشر وكل شخص يحاول أن يقتص لنفسه فلا تقل إن الأمن ضعيف ولكن قل إن القضاء فاسد. حمى الله دول العالم الثالث وكفاها شر الفساد. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]