الظواهر السياسية لابد أن تعتمد علي قواعد صلبة مدروسة حتي لا تتطور وجهات النظر المختلفة إلي فوضي .. ومن الطبيعي أن تعتمد القواعد القضائية علي اسانيد ثابتة من القانون والاعراف القضائية العليا مثل أحكام النقض فهي تعتبر المرجعية التي يعتمد عليها المتقاضون لاثبات موقفهم من التهم الموجهة إليهم. لكن الأحكام القضائية وأن كانت تحسم الخلاف بين المتقاضين فإنها ليست منزلة من السماء وانما هي اجتهادات فردية أو جماعية عندما تكون الهيئة القضائية المنوط بها الحكم مكونة من عدة أفراد يتناقشون فيما بينهم. ويراجعون آراءهم فيما يصدرون من أحكام لكن الحكم بالإعدام يتطلب اجماع اراء الهيئة القضائية المنوط بها الحكم. فالحكم بالاعدام لابد أن يكون اجماعياً. واذا رأت الهيئة القضائية كلها الاعدام إلا واحداً فإنه يعدل حينئذ عن الحكم بالإعدام وإن كان هو رأي الأغلبية ويقضي حينئذ بحكم الفرد الذي يتولي وضع أسباب حكمه ومن الحتم أن توافق عليه الهيئة القضائية كلها وينطق رئيس المحكمة بالحكم وإن كان في الأصل لا يقتنع به لأن أحكام الاعدام محصنة بالاجماع. ولا يصدر الحكم بها باجماع الآراء وذلك ضماناً بعدم اهدار حياة شخص لا تتوفر فيه التهمة كاملة بنسبة 100% وقد سأل كاتب هذه السطور شخصاً قضائياً تولي رئاسة محكمة النقض قبل أن يبلغ سن المعاش : هل حكمت بالإعدام مرة في قضائك؟ فأجاب بهدوء كامل نعم قلت : وماذا كان شعورك وأنت تحكم بانهاء حياة شخص فقال : كان شعورا طبيعياً لأنه العدل. والعدل كما يقولون هو أساس الملك. ولا تقوم الممالك القوية إلا إذا كان العدل سائداً فيها أو علي الأقل غالباً فيها. ومن هنا فإن القاضي قبل أن يحكم بالإعدام علي متهم يجب أن يفكر مرتين قبل أن يصدر الحكم واجب التنفيذ أن الاحكام القضائية يجب أن تكون مقبولة من المتقاضين جميعاً سواء أكانوا من هذا الطرف أو ذاك في جانب القضية. فأحكام القضاء هي عين الحقيقة التي يجب أن يخضع لها الجميع برضي نفسي واطمئنان قلبي وما يري الآن علي الساحة من اعتراضات علي أحكام قضائية يجب أن يتواري عن العقول والقلوب فالاحكام القضائية مهما تختلف فيها وجهات النظر هي عين الحقيقة ودعائم الاستقرار.