غصت وسائل الإعلام بظهور بعض القضاة تكرارًا كأهل الإعلام والفن؛ فنال من هيبتهم، وتسيست أحكام بعضهم؛ فسقطت حيدتهم، وعقدوا المؤتمرات فكثرت عثرات اللسان ولحن القول فى أحاديثهم، فطعن وقارهم ورصانتهم، حتى قال الغيور على طهر محرابهم "ليتهم سكتوا". تدثر بعضهم ثوب السياسة، ونسى أو تناسى نبل الرسالة، وسمو الغاية، وآمال الشعب المعلقة فى عودة العدل إلى ربوع مصر بعد تحررها من قيود الظلم وأغلال الفساد، فما كان يظن ظان أن ينحاز بعض من مؤسسة العدالة لغير الحق، أو أن ينقادوا لغير القسط؛ لإنزال القصاص العادل بحق من ولغوا بإجرامهم فى دماء الثوار، حيث أرواح بريئة أزهقت، ودماء سالت، ونساء رملت، وأطفال خيمت على مستقبلهم مذلة اليتم، وفقد العائل، وأمهات فقدن فلذات أكبادهن، يبحثون جميعًا عن قصاص عادل، وعقاب رادع، يشفى غليل صدورهم، وتعلقت قلوبهم بالحكم المهيب يوزع العدل والقسط بين الناس، لئلا يطمع شريف متجبر فى حيف القضاء، ولا ييأس من عدله ضعيف مستكين لا سند له ولا ظهير. فكانت الصدمة بالغة؛ أن ضلت بوصلة القضاء دروب العدالة، وتاهت عن إدراك الحق، حيث نظرت قضايا قتلة الثوار بعد أن أحالت النيابة الأوراق بأدلة مبتورة، وأوراق منقوصة لايأنس بها وجدان، ولا تفضى إلى يقين، ولا تؤسس لحكم عادل، وتؤدى حتمًا إلى إفلات المجرمين من العقاب، وهو ما حدث فعلًا؛ بأن حازت جميع قضايا القتل أحكامًا بالبراءة، وأهدرت الدماء. ولم تكن قضايا الفساد ونهب الأموال وتجريف خيرات البلاد أسعد حالًا من قضايا الدماء؛ فمن سرق جملًا حوكم فى عقاله، فرأينا القضاء يخلى ساحة المخلوع من المسئولية عن تصدير الغاز لإسرائيل عن طريق شركة صديقه حسين سالم، ويحصلان سويًا على البراءة؛ وكذلك من بدد ميزانية مصر لسنوات، وسطا على أموال التأمينات، وتربح منها فى تعاملات مريبة مع بعض البنوك الأجنبية، وأغرق البلد فى مستنقع الدين العام، يحاكم غيابيًا فى قضية رشوة لوحات سيارات ببضع ملايين، لا يقنع بسرقتها لص مبتدئ، بعد أن خرج من صالة كبار الزوار لينعم بما سرق فى خمائل لندن، وغير ذلك كثير. ثم يترك القضاء محراب العدالة ويلج خصمًا منحازًا فى دهاليز السياسة تحت لافتات خادعة كالفصل بين السلطات واستقلال القضاء، ثم ينقض القضاء ويضرب بذلك عرض الحائط ويتجاوز حدود مهامه واختصاصاته، ويسلب الشعب حقه ويصادر إرادته التى انتخبت مجلس الشعب، ويعلن بعض رجاله عدم الاعتراف بالمؤسسة التشريعية المنتخبة شعبيًا، ولا بالقوانين التى تصدرها، مع العلم أن الوظيفة الأساسية للقضاء تطبيق القوانين ولو كانت معيبة؛ حتى لا يتهم القاضى بإنكار العدالة، وتترك مهمة تعديلها لسلطة التشريع. وبيد قضائية تمت هندسة مراحل انتخابات الرئاسة باحترافية لا تتقنها الأحزاب السياسية المحترفة على نحو مقصود، تجهضه يقظة جماهير الشعب، باختيار د. مرسى رئيسًا للبلاد، والذى نصبت له من يومه الأول المحاكمات الإعلامية والسياسية التى شارك فيها بعض القضاة والمجلس العسكرى، والقوى السياسية المناوئة للرئيس (التى تجمع الشامى بالمغربى) بهدف تجريده من أدوات الحكم، وينتهى الأمر بحل مجلس الشعب والجمعية التأسيسية الأولى لوضع الدستور. وأصبح القضاء قاسمًا مشتركًا لحالة الاستقطاب المجتمعى، وتفرغ بعض رجاله من الموالين للمخلوع؛ للنيل من مقام الرئاسة وإرباكها بإعلان تعليق العمل بالمحاكم بما يضر بمصالح المتقاضين، وهو ما يناقض مقولة الانحياز لمصالح الشعب، وكذلك التوصية من نادى خدمات القضاة بالامتناع عن الإشراف على استفتاء الدستور الجديد، إلا بعد هدم البنيان على رؤوس الشعب؛ بإعلان الرئيس التوبة والإنابة بالرجوع عن إعلانه الدستورى الأخير، وما ترتب عليه من آثار، أخصها عودة النائب العام المقال! وهو ما يبرهن على أن لغضب بعض رجال القضاء مآرب أخرى. والله الموفق ،،، أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]