خالد الأصور [email protected] لم يكن أكثر المتفائلين من المتهمين أو ذويهم أو من فلول النظام السابق بصفة عامة يتوقع هذا الكرم القضائى الحاتمى ب"منح صك البراءة الخالصة" لكافة المتهمين ال25 فى أحداث جريمة ما اصطلح عليه إعلاميا ب"موقعة الجمل" بل إن بعض المتهمين رد هيئة المحكمة واتهم أعضاءها بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أثناء سير الجلسات، تحسبا وتوقعا منهم بصدور أحكام رادعة بحقهم، لذلك وجدنا الكثير منهم ينهارون ويجهشون بالبكاء أثناء المحاكمة، ولكن الحكم الذى لم يتوقعوه أبدا -وإن تمنوه وطالبوا به- هو أن يعلن القاضى نقاء ثوبهم وبياض صفحتهم من تهمة قتل الثوار، ويقول لهم بكل أريحية: اذهبوا فأنتم الطلقاء! نزل هذا الحكم كالصاعقة على رءوس الشعب المصرى، خاصة أسر آلاف الشهداء والمصابين، وانتابت الناس حالة من الذهول وهالهم إفلات (كافة المتهمين من منفذين ومحرضين) من العقاب، وانعقدت الألسنة وضاقت الصدور كمدا وغيظا إزاء هذا (الاتهام الحائر) الذى ظل هائما على وجهه طوال أكثر من 20 شهرا باحثا عن القصاص العادل والناجز معا لدماء الشهداء والمصابين، حيث توالت صكوك البراءة القضائية طوال الشهور الماضية فى "كل" قضايا قتل الثوار فى كافة ربوع وميادين مصر، وكأنى بالمتهمين يخرجون لنا ألسنتهم ويقولون: "هذه هى ثورتكم.. اشربوها"، وكان من أوجع التعليقات الساخرة إزاء هذا الاتهام الحائر: "أصدر القاضى حكمه بإحالة جميع الشهداء إلى النيابة بتهمة الموت الكاذب"! وكان لافتا التصريح القوى لوزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية د. محمد محسوب بشأن الحكم ببراءة المتهمين: "أى ثورة تلك التى تبحث عن قتلة شهدائها فلا تجد، وإذا وجدت تصحبهم البراءة أينما ذهبوا، إن هناك أركانا مظلمة لم تصل إليها الثورة، أو لم يؤمن قاطنوها بالثورة، وما زالت تعتبر أن ما قام به الثوار تمرد غاشم على نظام عادل ونظيف وديمقراطى".. وهى عبارة ذات مغزى ودلالة لا تخفى على أحد، فلم تسلم مؤسسة من مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية على مدى ثلاثة عقود أو أكثر من هذه الأركان المظلمة، فقد حرص نظام المخلوع على مأسسة الفساد فيها، وفرز كافة الطامحين للولوج فيها، ليقع الاختيار فقط على من يثبت ولاؤه أو على الأقل عدم معارضته لسياساته، وكانت تحريات وتقارير مباحث أمن الدولة كفيلة بذلك، وكاتب هذه السطور كان أحد ضحاياها! إن هذا الحكم المفاجئ والصاعق يضعنا أمام حقائق ناصعة لا بد من مواجهتها اليوم قبل الغد، وفى مقدمتها ضرورة تطهير مؤسسات الدولة من بقايا فلول نظام المخلوع، لا سيما القيادات الوسيطة، فهى التى قامت بإتلاف غالبية الأدلة فى قضايا قتل المتظاهرين، وإخفاء بعض النافذين فى المؤسسة القضائية أدلة اتهام، منها ما كشف عنه النائب والمحامى البارع عصام سلطان بأن عضو اليمين السابق فى محكمة الجمل المستشار أحمد المليجى أعد مذكرة تؤكد تورط النائب العام المقال عبد المجيد محمود وقائد الشرطة العسكرية السابق اللواء حمدى بدين فى تضليل العدالة، فبادر وزير العدلالسابق عادل عبد الحميد ورئيس الاستئناف السابق عبد المعز إبراهيم (الضالع فى تهريب الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى الشهيرة) بتدخلهما بإبعاد تلك المذكرة عن ملف الدعوى، إنقاذا للنائب العام وقائد الشرطة العسكرية، فاحتج المستشار المليجى وتنحى فورا عن القضية، وتم ندب عضو يمين آخر بدلا منه لديه استعداد لقبول هذا الوضع. إن جرائم قتل الثوار حتما يقف وراءها محرضون ومنفذون لا بد أن تشملهم لائحة اتهام تعززها أدلة الثبوت، ومسئولية الدولة التى أكدها مرارا رئيس الجمهورية هو القصاص لدمائهم الزكية، وذلك جزء أصيل من مشروعيته التى انتخب على أساسها، وليأت القصاص بالمحاكم الجنائية أو الثورية أو تفعيل النصوص القانونية بشأن إفساد الحياة السياسية؛ لأن إفلات هؤلاء المفسدين والناهبين لمال الشعب والمنتهكين لحرياته والسافكين لدمائه يعنى التحذير بأن الثورة ترجع للخلف.