حالة الغضب الشديدة التي استبدت بالدكتور محمد السيد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين تكشف عن عمق الأزمة التي تمر بها الجماعة ، كما أن تصريحات حبيب تكشف عن الأزمة ليست أزمة شخص وإنما مشكلة انقسام حقيقي داخل الجماعة بين تيارين متباينين ، أو بين فريقين حسب قوله ، والذي قاله حرفيا لوكالة رويترز أمس ونصه : " اجراء الانتخابات بهذا الاستعجال هدفه تمكين فريق ما ضد فريق آخر وليس فقط استبعادي شخصيا بل التعدي علي صلاحيات مكتب الإرشاد" ، وعندما يصدر هذا الكلام من نائب المرشد العام فهو يعني أن الأمور تفاقمت إلى مستوى لم يعد بالإمكان كتمانه أو التعتيم عليه ، وأيا ما كانت النتائج التي سوف تسفر عنها محاولات رأب الصدع التي تتم الآن بعصبية واضحة وتسارع ، حيث سافر وفد رفيع لمحاولة استرضاء نائب المرشد ، إلا أن ذلك لن يقلل من حقيقة وجود الانقسام الذي تحدث عنه نائب المرشد ، بل إن بعض ما قاله الدكتور حبيب يصل إلى أبعاد غير مسبوقة في الكشف عن طبيعة الخلافات وهواجس حضور السلطة في ظلها وخلفياتها ، صحيح أن حبيب نفى اتهامه لأي جناح أو فرد في الجماعة بالخيانة ، أو أن تكون مجموعة محمود عزت قد نسقت هذه "المؤامرة" التي يشير إليها بالتنسيق مع جهات أمنية ، ولكن بقية كلامه تشير إلى أن هناك توافقا ما حدث بين الحكومة وبين جناح عزت من أجل تمرير الانتخابات على هذا النحو ، لتمكين تيار وأشخاص بأعينهم من قيادة الجماعة في هذه اللحظة التاريخية التي تسبق استحقاقات خطيرة وحساسة في أعلى هرم السلطة في مصر، حيث قال بالحرف الواحد لرويترز أمس " يمكن للحكومة أن توفر أجواء ومقدمات ما للوصول إلي نتيجة تريدها... الأجواء التي وفرها النظام توافقت مع أهداف الفريق المستفيد من إجراء الانتخابات في الوقت الحالي" ، وهذا الكلام يعني أن هناك توافقا من طبيعة ما أو بدرجة ما بين الترتيبات المستعجلة لإنجاز انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد من قبل فريق داخل الإخوان وبين الدولة وأجهزتها ، وعندما تصل الإشارات إلى هذا الحد تكون الأمور قد وصلت إلى ما يستعصي علاجه في النفوس بعد ذلك ، هناك أزمة حقيقية في الجماعة ، وربما تكون هي الأزمة الأخطر في تاريخها ، ومن الطبيعي أن تجذب هذه الأحداث والتصريحات المتوالية انتباه دوائر سياسية وثقافية وإسلامية عديدة ، داخل مصر وخارجها ، لأننا أمام حركة تاريخية كبيرة وكيان سياسي وديني وشعبي ذي ثقل حقيقي وليس مصطنعا ، وقوة سياسية ذات حضور وتأثير في الساحة السياسية المصرية ، شاء من شاء وأبى من أبى ، ولكن تبقى الإشكالية الأكبر في هذا الأمر متمثلة في عجز قوى المجتمع الحية عن التفاعل مع الحراك الجديد داخل هذا الكيان الكبير ، بسبب المناخ السري الذي تتحرك فيه الجماعة حتى الآن ، وإدارة شؤونها الداخلية كتنظيم سري ، رغم تقاطعها ومشاركتها الواسعة في الشأن العام ، وبالتالي يصعب على المجتمع أن يتفاعل مع تيار إصلاحي إن صح التعبير أو أن يشارك في تطوير الحراك الفكري والتنظيمي في الجماعة ، خاصة وأن قطاعات واسعة فيها ما زالت تتعامل بمنطق فرض القدسية على الجماعة وحركتها ، فمن حقها أن تشارك وأن تتفاعل مع المجتمع وقواه الحية وتنتقد وتعلق ، ولكن ليس من حق أحد خارج الجماعة أن يناقش أو يتفاعل معها أو يعلق على شؤونها فضلا عن أن ينتقد بعض مواقفها أو اختياراتها السياسية أو الدينية ، بحيث نجد أننا أمام معادلة ظالمة جدا ، وهي أنك تستطيع أن تنتقد السلطة وحزبها وتنتقد أي حزب سياسي معارض أو غير معارض وأي قوة سياسية أو مؤسسة دينية ، وتنتقد أي شيء في البلد ، لكن ليس من حقك أبدا أن تنتقد "الجماعة" ، وهذا ما يسيء للجماعة وصورتها وقبولها للحوار ومنطق التعددية ، ثم إنه يضر برسالتها وحركتها وخبراتها المستقبلية . [email protected]