وأخيرا أعلنت حركة حماس، من خلال الحكومة الفلسطينية المنتخبة التي تسيرها منذ أكثر من شهرين، عن خطتها الأمنية في حفظ الأمن والاستقرار في الأراضي الفلسطينية، لتستجيب بذلك لأهم وعد قطعته على نفسها أمام الناخب الفلسطيني، الذي منحها كامل الثقة في انتخابات الخامس والعشرين من يناير المنصرم. هذه الخطة التي سبق لوزير الداخلية سعيد صيام أن قدمها للرأي العام الوطني والدولي في شهر أبريل الماضي من خلال أحد المؤتمرات الصحفية، تقضي بنشر قوة فلسطينية جديدة مكونة من الأجنحة المسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية، تأتمر في إطار القانون بأوامر سعيد صيام مباشرة بصفته الوزير المسئول المباشر عنها. وقد رحبت وقتها معظم الفصائل بهذا الاقتراح، واعتبرته خطوة إيجابية، فيما هددت "إسرائيل" بتصفية كوادر القوة الجديدة معتبرة ذلك خرقا لاتفاقات أوسلو؟ والآن، وبعد يومين من انتشار هذه القوة التنفيذية الداعمة للشرطة الفلسطينية، تعالت أصوات هنا وهناك، وخاصة من بعض الأبواق الفتحاوية الشاذة التي أصبح شغلها الشاغل هو عرقلة ما يمكن عرقلته وإفساد ما يمكن إفساده، وقد صفقت في الماضي القريب للدوريات المشتركة التي كانت تجمع رجال شرطة إسرائيليين وفلسطينيين في نفس العربة لمطاردة رجالات المقاومة أيام أوسلو المجيدة. لكن، أيهما أهون على الشعب الفلسطيني: قوة من شرفاء المقاومة الباسلة لقطع دابر الإجرام ونصرة المظلوم، أم استمرار حالة الفوضى والارتباك الأمني، أم ضياع الوقت في نقاشات عقيمة حول الصلاحيات القانونية والدستورية لهذا الطرف أو ذاك، فيما يتواصل مسلسل الانتهاكات؟ ما يحتاجه اليوم الشعب الفلسطيني، هو إجراءات ملموسة وذات طابع استعجالي في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، قادرة على كبح حالة التردي والفوضى المتفاقمة، بغض النظر عن الجهة الساهرة عن هاته الإجراءات، أكانت الحكومة أم الرئاسة، وقد لا نبالغ إذا شبهنا حالة الشعب الفلسطيني بحالة ذلك الغريق الذي يطلب النجدة ، فهل من المنطقي أن نسأل هذا الغريق الذي يصارع الموت عن الجهة التي يفضل أن تقوم بإنقاذه، أم نبادر لإنقاذه قبل فوات الأوان، إن مجرد السؤال في حد ذاته يعتبر إهانة ومسخرة. وانتشار القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية في هذا الظرف الدقيق الذي تجتازه القضية الفلسطينية داخليا وخارجيا، يبقى ضرورة ملحة لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني من خطر الإرباك الأمني الذي تعمل جهات مشبوهة ذات أجندة خارجية على فرضه، لإلهاء الحكومة بفتن لا نهاية لها من أجل صرفها عن القيام بإنجاز مهمة التغيير والإصلاح، الذي سبق وأن وعدت به الجمهور الفلسطيني، وللدفع كذلك بتطورات الأمور نحو اقتتال داخلي يدمر الحكومة الفلسطينية نهائيا ويفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية. أما على المستوى الخارجي، فإن هذا الانتشار يأتي ليعزز الصمود الوطني الفلسطيني ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وذلك بخلق ميزان قوى جديد على الساحة الفلسطينية، يجعل من أي توغل إسرائيلي محتمل في قطاع غزة مغامرة إسرائيلية وليس نزهة كما يحلو لإسرائيل تسميتها. لا ينبغي لنا أن نتخوف من القوة التنفيذية الجديدة، لأنها تجربة فلسطينية بحثة، فرجالها هم أبناء مدينتنا وأبطال شعبنا، فبسواعدهم دحر العدو الإسرائيلي من قطاع غزة، وبتضحياتهم الغالية سيكتمل التحرير إنشاء الله، وبانخراطهم اليوم في ضبط الأمن، إلى جانب إخوانهم في سلك الشرطة، إنما يصرون على مواصلة النضال من أجل نصرة الحق الفلسطيني على دعاة الفتنة والإجرام. ومن أجل تبديد شكوك البعض حول نوايا وأهداف هاته القوة، يلزم التذكير بما دأب على التذكير به وزير الداخلية الفلسطيني: أولا، إن القوة التنفيذية ليست بديلا عن الشرطة القائمة وإنما هي مساندة لها في مهام حفظ الأمن والاستقرار. ثانيا، قد أكد أكثر من مسئول في حكومة هنية أن إحداث هاته القوة كان بالاتفاق مع الرئيس الفلسطيني الأخ أبو مازن، وبالتالي فتشكيلها يدخل في الإطار القانوني والدستوري. ثالثا، من الظلم اعتبار القوة الجديدة تجمع ميليشيات، لأن تكوينها جاء بقرار وزاري حكومي، وبالتالي فهي قوات نظامية مسئولة أمام وزير الداخلية مباشرة، وأمام الشعب الفلسطيني برمته، لذا فهي ملزمة باحترام القانون والسهر على أداء مهامها في إطار الشرعية. رابعا، نشرها أصبح ضروريا أمام تقاعس جهاز الشرطة عن القيام بمهامه تحت أعذار واهية، كانعدام الرواتب وقلة الدعم اللوجستي وضآلة الإمكانيات، بل في حالات عديدة نجد الشرطة نفسها متورطة أو مساهمة في إثارة أجواء الفلتان الأمني، وكلنا نستحضر الصورة التي ينقلها الإعلام بصفة متكررة عن رجال شرطة ملثمين يتظاهرون في الشوارع مشهرين سلاحهم، ومقتحمين لمؤسسات الدولة، ومكسرين لزجاجاتها ومقاعدها، احتجاجا على تأخر الرواتب، فمن يضبط يا ترى هذا النوع من الفلتان الأمني؟ إن المستفيد الوحيد من زوال القوة الجديدة هم أباطرة المخدرات ودعاة الفتنة الداخلية وأصحاب العلاقات المشبوهة مع الخارج، وما عدا ذلك، فهناك ارتياح وفرح وطمأنينة في أغلب أوساط الشعب الفلسطيني. المصدر : العصر