يكاد الخوف يكون هو الحاكم الفعلي لمصر وثورتها وأحزابها هذه الأيام حكامًا ومحكومين، سلطة ومعارضة، إسلاميين وعلمانيين، يسار وليبراليين، عسكر ومدنيين، إسلاميين وأقباط، الخوف هو الذي يحكم ويتحكم في السلوك السياسي والرأي والموقف، الإخوان يشعرون بالخوف من تآمر الجميع ضدهم وتصيد جبهة الإنقاذ وحلفائها لأخطائهم وخطواتهم ورغبة أطراف كثيرة في عرقلة مسيرته وإفشال تجربتهم وإسقاط مرسي، وجبهة الإنقاذ والمعارضة المدنية تشعر بالخوف مما يعتبرونه نزعة هيمنة وإقصاء لدى الإخوان ورغبة في السيطرة على مفاصل الدولة ثم الالتفاف حول المعارضة لتصفيتهم باستخدام أدوات الدولة الأمنية والإدارية والقضائية إن تمكنوا ولذلك يعملون بكل قوة على وقف ما يسمى بأخونة الدولة فهم لا يخافون اللحظة الحاضرة قدر خوفهم مما هو آتٍ، وبعض القوى السلفية المتحالفة مع الإخوان والأحزاب التي تتراص معها في الموقف يشعرون بالخوف من انتكاسة الثورة ونجاح الفلول والنظام القديم من قلب الطاولة وإعادة المنظومة القديمة الأمنية والفاسدة والاستبدادية، وبالتالي يرون أن أي مشاكل أو أخطاء للإخوان الآن فهي أهون كثيرًا من السيناريو الكابوس بعودة نظام مبارك وخاصة أن الثورات المضادة تكون أكثر وحشية ودموية بطبيعة الحال، والقوى السلفية والأحزاب الإسلامية التي تتحفظ على سلوك الإخوان وتعترض وتحتج وتدخل أحيانًا في اشتباك معها تشعر بالخوف من هيمنة الإخوان على مفاصل الدولة الأساسية وخاصة في المؤسسات الدينية والإعلامية والأمنية وتعيش هاجس رغبة الإخوان في الانفراد بالتمثيل الشعبي للتيار الإسلامي وبالتالي فهم سيحاصرون الدعوة السلفية أو يحاولون ضربها من الداخل وتفتيتها تمهيدًا لإزالتها بالكامل أو احتوائها وتطويعها داخل الكيان الإخواني، والإخوان من جهتهم يخافون من معارضة تلك الأحزاب السلفية ويعتبرونها بأرضيتها الشعبية القوية ستمثل تهديدًا جديًا لفرصهم في تشكيل الحكومة وإدارة الدولة وفق رؤيتهم ومشروعهم ويمكن أن يتحالفوا سياسيًا مع أحزاب أخرى لانتزاع إدارة الحكومة المقبلة من الإخوان بما يربك الرئيس مرسي نفسه، والعسكريون يشعرون بالخوف المركب من وصول مدنيين إلى السلطة وخاصة إذا كانوا من التيار الإسلامي بكل تراث إقصائه عن مفاصل الدولة وعن المؤسسة العسكرية ويشعرون بالقلق من رغبات مخفية في احتواء المؤسسة العسكرية واختراقها والسيطرة عليها كما حدث في السودان وإيران والعراق بما يهدد استقلال قرارها الوطني وتحويلها إلى ذراع لقوى سياسية متنافسة، وعدد من الأحزاب المدنية وفي صدارتها الأحزاب الإسلامية تشعر بالخوف مما يضمره العسكريون وموقفهم من التحول السياسي الجديد بعد الثورة وأن تعقد المشهد وتنامي الغضب الشعبي يمكن أن يدفع بالمؤسسة العسكرية مستقبلًا للقفز في صدارة المشهد من جديد وتسلم قيادة الدولة ولو لفترة انتقالية قد تطول، والأقباط يشعرون بالخوف من صعود التيار الإسلامي وانفراده بالسلطة باعتبار ذلك يهدد بتقليص المصالح القبطية السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية ويفتح الباب أمام المجهول بالنسبة للكنيسة ونفوذها رغم كل تطمينات التيار الإسلامي ويعتبرون أن الاصطفاف الإسلامي في الانتخابات له دلالة لا يمكن تحاشى مخاطرها، بالمقابل التيار الإسلامي يشعر بالخوف من تحالف الكنيسة حسب ما يتردد مع الفلول ومع القوى المخاصمة للتيار الإسلامي ويعتبرون أن الكنيسة ورجال أعمال أقباط يشاركون بقوة في الدعم الشعبي والميداني لاحتجاجات المعارضة وتساهم في إرباك المشهد كله وتفجيره بانتظام دعمًا لمخطط جبهة الإنقاذ، وبعض دول الخليج تشعر بالخوف من صعود الإخوان في مصر باعتباره تهييجًا لطموحات قواعد إخوانية لها حضور قوي في دول الخليج ويمكن أن تهدد نظمًا مستقرة هناك وتعيد خلط الأوراق في خريطة لديها توترات اجتماعية وسياسية جاهزة بدرجة أو بأخرى، والإخوان في مصر يشعرون بالخوف من موقف تلك الدول الخليجية تجاه الثورة المصرية وتجاه النظام الجديد وتعتبر أن بعض الدول الخليجية تقود خططًا تآمرية لتدمير مشروعهم الجديد في مصر وإحباطه وإفشاله،..، الكل يخاف من الكل، والخوف هو شعار اللحظة، وفي تصوري أن خروج البلد من أزمته وفك عقدته لن يتحقق إلا إذا انتصرت مصر على الخوف، وتم تفكيك منظومته المروعة بكل أبعادها ومفاصلها ونجاح كل الأطراف في استزراع الثقة بدلًا من الشك، فهل نفعل؟! ومن يبدأ؟! [email protected]