أحدثت مساعي حزب النور للمّ الشمل الوطني واستعادة التوافق السياسي الغائب، وبناء قاعدة جديدة لحوار وطني شامل يجمع مختلف القوى السياسية بمشاربها المتعددة، حالة من الانقسام الحاد داخل التيار الإسلامي. فالمفاجأة هنا لم تكون العنصر الوحيد لهذا الانقسام داخل تيار اعتقد البعض أنه متحد وتماسك إزاء التيار المدني، وإنما أيضاً مضامين تلك المبادرة التي اعتبرها البعض استنساخاً لشروط جبهة الإنقاذ للقبول بالحوار الوطني، التي أيدتها بشكل علني عقب اجتماع المشترك بحزب الوفد، وضم قيادي النور والجبهة من دون حضور محمد البرادعي وحمدين صباحي. وعنصر المفاجأة، بدا في كونها أول محاولة ناجحة لاختراق حاجز الاستقطاب السياسي العقائدي الحاد، الذي ميز المشهد المصري بين التيارين الإسلامي والمدني، وبدا أنه مستعصي على الوفاق. أضف لذلك أن تلاقي حزب النور مع جبهة الإنقاذ الوطني بسبب المرجعية العقائدية ومواقف كل منهما من الآخر كان شبه مستحيل. إلا أن طبيعة الأزمة الخطيرة التي تمر بها مصر حاليًا، وما تمثله من تهدد لكيان الدولة نفسها، كانت الباعث على هذاالوفاق الجديد، من جانب قوى كان يصعب تصور أنها يمكن أن تجلس معاً وتتوافق على أجندة للحوار الوطني. وهي الحقيقة التي أكدها لنا قادة حزب النور، الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم بسبب حساسية الموضوع الآن والحوار الذي يجريه هؤلاء مع قوى التيار الإسلامي للحصول على دعمهم للمبادرة. فحسب توصيف هؤلاء فإن الأزمة بعد فشل دعوة الحوار الذي طرحته الرئاسة، تستدعي تقديم تنازلات متبادلة. وإذا كان طرفاه الأساسيان الرئاسة وجبهة الإنقاذ من الناحية المعنوية والسياسية ليست لديهما القدرة على ذلك، فكان الواجب علينا بحزب النور الاضطلاع بعبء تلك المهمة الصعبة، وتحمل مسئولة لمّ الشمل. إلا أن ما شق عليهم، الهجوم الكبير الذي تعرضوا له من قبل إخوانهم بالتيار الإسلامي، بالتزامن مع محاولات البعض العبث داخل الحزب وإثارة المتاعب الداخلية لقيادته، بدفع عناصر من حزب النور بمنطقة الكُنيسة بمحافظة الجيزة بتقديم استقالاتهم وإحراج الحزب. واعتبر إسماعيل أبو حديد مسئول شئون العضوية بحزب النور أن الهدف من تلك المحاولة تشويه صورة الحزب بعد المبادرة التي طرحها للوفاق الوطني. وإزاء هذا الاختراق السياسي، انقسمت قوى التيار الإسلامي إلى ثلاثة مواقف رئيسة حول تحركات حزب النور للمّ الشمل حول مبادرته السياسية: أولها: لم يبد رأياً محدداً. عبرت مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية العدالة عن هذا الموقف. إذ لم يعلنا عن موقف محدد من هذا الوفاق السياسي الجديد. وأعلن رئيس الحزب محمد سعد الكتاتني أن حزبه يدرس حالياً كافة المبادرات السياسية المطروحة على الساحة لبلورة رد فعل بشأنها، دون ذكر محدد لمبادرة حزب النور. يمكن إدراج حزب مصر القوية ضمن هذا السياق أيضًا. إذ لم يعلن رئيسه عبد المنعم أبو الفتوح موقفاً. يمكن تفهم ذلك لكون هذه القوى لديها على الساحة مبادرات للحوار الوطني، لم يلفت إليها بالقدر الكافي، يمكن أن تشعر بحرج سياسي من قبول مبادرة حزب النور، وتحديداً الرئاسة التي ترفض حتى فكرة إقامة حكومة وفاق وطني مستقلة، أو إقالة النائب العام. ثانيها: أيدت مساعي الوفاق. وكان حزبا الوسط بزعامة أبو العلا ماضي، ومصر الحديثة بزعامة حمزة دعبس من أبرز هؤلاء المؤيدين، يمكن إدراج حزبي مصر الحضارة المشارك في الحوار الذي دعت إليه الرئاسة، ومصر بزعامة عمرو خالد ضمن هؤلاء أيضاً. ثالثها: قوى رفضت المساعي وشنت هجوماً حاداً علي قيادة حزب النور. إذ كان موقف السلفية الجهادية بزعامة محمد الظواهري متوقعًا بتأكيداته رفض للنظام الحالي الذي وصفه الظواهري بكونه مخالفًا لأحكام الشرعية، وتحديداً الدستور الذي اعتبره مكتوبا بخلفية علمانية، ورفضه مجمل العملية السياسية الراهنة. إلا أنه الهجوم الذي تعرضت من جانب الجبهة السلفية والجماعة الإسلامية، كان الأعنف. وفي الوقت الذي أعلن الطرفان ترحيبها بأي مبادرة سياسية لوقف نزيف الدم المصري، إلا أنهما ربط ذلك بشرط ألا تتجاوز ما اعتبراه الإدارة الشعبية أو الانقلاب على الشرعية السياسية. ففي بيان للجبهة السلفية تحت عنوان " حان وقت البيان "، انتقدت المبادرة التي اعتبرتها استنساخاً لشروط جبهة الإنقاذ للحوار. وأكد الدكتور خالد سعيد المتحدث الرسمي باسم الجبهة،أنها استجابت لما سماه بالبلطجة السياسية التي يمارسها قادة جبهة الإنقاذ، وسعيهم لفرض شروطهم على الإدارة الشعبية، وذكر تحديداً مسألة تعديل الدستور للمساس بالهوية الإسلامية للشعب المصري. ودعا مؤسسة الرئاسة لرفض المبادرة، وتساءل لماذا رفض هؤلاء الحوار الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي، ووافقوا على مبادرة حزب النور. كما رفض حزب البناء والتنمية والذراع السياسي للجماعة الإسلامية المبادرة التي وصفها بأنها تعطي قبلة الحياة للثورة المضادة في مصر، وتكافئ من ينتهج العنف أو يحاول إقحام القضاء بالشأن السياسي. وقال الشيخ رفاعي طه عضو شورى الجماعة.. " لا ينبغي على الصف الإسلامي في تلك المرحلة الحرجة أن يتخلى عن الضوابط الشرعية في مواقفه السياسية جرياً وراء الصندوق الانتخابي. وتركزت بنود رفض الجماعة والحزب على: تعديل الدستور، إقالة النائب العام، والمصالحة مع رموز الحزب الوطني المحل، لكونها مخالفة لمادة العزل السياسي بالدستور، إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وفاق وطني لكونه اقتراح غير واقعي، حيث انتخابات مجلس النواب على الأبواب. بهدف إزالة الخلاف مع مساعي حزب النور للوفاق الوطني، شكل الحزب ما سمي بلجنة الاتصال مع الأحزاب السياسية والإسلامية، ضمت السيد خلفية نائب رئيس الحزب، وجلال المرة الأمين العام، طارق الدسوقي الأمين المساعد,التي كثفت خلال نهاية الأسبوع لماضي اتصالاتها مع تلك القوى، بدأتها مع حزب الحرية والعدالة. وشارك في اللقاء محمد البلتاجي وحسين إبراهيم. أعقبه لقاء مع حزب البناء والتنمية حضره صفوت عبد الغني ورفاعة طه، بينما كان اللقاء الثالث مع حزب الوسط بحضور نائبا رئيس الحزب محمد محسوب وعصام سلطان. كما اتسعت اللقاءات وشملت أيمن نور رئيس حزب غد الثورة. وأكد المرة أن النقاش والحوار، أزل قدرًا كبيرًا من سوء الفهم حول مساعي الحزب للحقيق الوفاق الوطني، إلا أن الطريق مازال شاقاً لكون العديد من تلك القوى لم تبد موقفًا محددًا سواء بالموافقة أو الرفض لتلك، فالأمر مازال خاضع للمناقشة ولقاءات تالية. أما نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، فأكد أن تلك المساعي أتت في توقيت شديد التعقيد بسبب ظهور جماعات تتبنى العنف وترفض الشرعية الدستورية في وقت تقف فيه الدولة وأجهزتها الأمنية عاجزة عن التعامل معها، والأهم رفض دعاوى إعادة إشراك الجيش بالشأن السياسي. والأهم أن القوى السياسية لم تستطع طرح أرضية مشتركة للحوار. ورفض برهامي الدعاوى التي ثارت حول مساعي حزب النور، مؤكداً أنها ليست موجهة ضد أحد أو محاولة لاكتساب أرضية ونفوذ يعود بالنفع على الحزب بالانتخابات القادمة، فالمصلحة العامة كما أكد هي رؤية الحزب للمصالحة السياسية ليس شق الصف الإسلامي كما يدعي البعض. كما نفي أن يكون هذا الوفاق مع جبهة الإنقاذ مقدمة لبناء تحالف سياسي انتخابي، مؤكداً أن حزب النور سيدخل تلك الانتخابات بشكل مستقل. وتساءل برهامي لماذا كانت دعوة الرئاسة للجلوس مع جبهة الإنقاذ أمر مباحًا ومفهوم مبرراته، فيما يحظر على النور القيام بنفس الدور..؟ بل لماذا لم يعترض أحد على اللقاء الذي جمع بعض مشايخ السلفية مثل محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وسعيد عبد العظيم مع أعضاء جبهة الإنقاذ..؟ واعتبر أن الجلوس مع المخالفين لحل المشاكل مواجهة التحديات أمر طبيعي ومشروع، لكونه يزيل سوء الفهم، ويحقق التقارب والمصالحة التي ينشدها الجميع. كما رفض برهامي أقوال أن الحزب قدم تنازلات للتيار المدني لتحقيق تلك المصالحة السياسية، لكون الحوار مع قوى هذا التيار أزال العديد من نقاط سوء التفاهم حول العديد من بنود الدستور بما فيها المادة 219، أن الحزب لن يضحي بالشرعية السياسية والمؤسسات المنتخبة، إنما يسعى للتهدئة قبل الانتخابات القادمة.